العلاقات العربية الأميركية - ربيعٌ مضطرب
الواقع أنّ النظرة السلبية للعرب تجاه الأميركيين كانت بالدرجة الأولى وليدة العلاقات التي تجمع هؤلاء باسرائيل، بالإضافة إلى تعاونهم مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. اتجّهت السياسة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر إلى اعتبار الأحزاب الإسلامية طرفاً مقلقاً في المعادلة السياسية يستوجب معاملةً خاصة أو عزلاً وقمعاً كما كانت الحال في ظل حكم مبارك، وكانت ذريعة الأميركيين للاستمرار في دعم الأنظمة الحاكمة هي أنّ الإسلاميين يتصنّعون دعمهم للديموقراطية لمجرّد الاستيلاء على السلطة ويتخلّون عن هذه المبادىء فور استلامهم زمام الأمور. لطالما أضمر الإسلاميون مشاعر بغض لإسرائيل، لكنّ اليوم وبعد تسلّمهم مقاليد السلطة بصورة ديموقراطية، لم يعد باستطاعة أميركا سوى الإذعان إلى هذا التحوّل الجديد، فعلى الرغم من دعمها للطغاة على مرّ السنين، كانت أميركا داعمةً من الجهة الأخرى للحركات المعارضة الساعية إلى الإطاحة بهم.
في البداية، كان يُعتقد أن الربيع العربي وما حمله من تغييرات في الأنظمة سيعيق المصالح الأميركية التي لطالما كانت حاضرة في البلدان المتأثرة بهذه التغييرات، ولكنّ هذا الاعتقاد لم يكن صائباً. فعلى الرغم من أنّ الإدارة الأميركية لم تضع استراتيجيةً واضحة لملاحقة مصالحها في المنطقة إلا أنّها حرصت على ألا تستثني الحكومات الإسلامية من المساعدات الخارجية لأن الحد من هذا الانفاق، وإن كانت تستسيغه ضمناً نظراً للوضع الحساس للاقتصاد الأميركي، قد يلصق بها المزاعم والسمعة القائلة أنّها كانت جناحاً داعماً للأنظمة المخلوعة فحسب.
القول إن الديموقراطية قد وصلت أخيراً إلى هذه البلدان فيه نوع من السذاجة، فمصر وتونس على سبيل المثال لا يزالان اليوم في طور اجتياز هذه المرحلة التحولية الطويلة والدقيقة. في هذه الأثناء، لا تزال وحدة الدولة عرضةً للوهن وللتدخلات والتأثيرات الخارجية. لكنّ إثبات أميركا أنّها داعمة للحكومات الناشئة الجديدة في المنطقة قادر على منحها مزيداً من النفوذ وعلى تحسين موقفها من المسلمين فلا عجب إذاً من رؤية زيارات متكررة لوزير الدفاع الأميركي للمنطقة بغية التأكيد على العلاقات مع دول الربيع العربي على الرغم من تغيّر أنظمتها.
لكنّ هذا لا يعني أن مناهضة العرب لأميركا هي في تضاؤل، فالواقع يشير إلى أنّ الشكوك والتوجّسات من النوايا الأميركية قد تكون أكثر وأكبر من ذي قبل اليوم خصوصاً أن أميركا قد برهنت أنّها قد تبذل المستحيل لضمان مصالحها في المنطقة، فضلاً عن أنّ شعبيتها ستكون دوماً رهناً بعلاقتها باسرائيل.
اترك تعليقا