في الجامعة الأميركيّة: السّنة الثالثة

وصباح الاثنين، دخلت قاعة فيها “التلاميذ الكبار”. لم تعجبني نظراتهم فتوجّست شرًّا. وقلت: صباح الخير! فلم تتحرّك شفة ولم ترمش عين . وتحيّرت في أمري. ثمّ قلت: اسمي أنيس فريحة، وأريد أن أعلّمكم العربيّة. وكان ردّ الفعل عندهم سكوتاً عميقاً ، وسكوتاً مخيفاً. ثمّ نهض أحدهم وقال: “نحنا أرمن بيحكي أرمني، ما بيحكي أربي، نحنا ما بيريد يحكي أربي!”

وتكرّر الحادث في اليوم الثّاني والثّالث! يا ربّ ما العمل؟ ما هذا السّكوت المطبق المخيف؟ وما هذه النظرات الشّزرة؟ وشكوت أمري إلى المدير الأميركيّ. قال: أعرف جيّدًا أن الأرمن يرفضون التعريب! يريدون الرجوع إلى أرمينية. ولكن لنحاول تعليم الصغار منهم. وفي اليوم التالي دخلت قاعة فيها عدد كبير من الأولاد الصغار. وتكرّلر الحادث. وقف ولد لا يتجاوز السنّ التّاسعة وقال: “نحنا أرمن بيحكي أرمني، ما بيحكي أربي!” تعصّب عنيف ناجم عن مرارة. لا ألومهم، ولكن ما شأني وشأن قرار مؤسسة الإغاثة! أنا يهمّني أن أقبض آخر الصّيف 150 دولارًا!

ومساء السّبت، هاجمت جماعة من التّلاميذ الكبار المدير الأرمنيّ في بيته، وضربوه وجرحوه في وجهه وعنقه، وكسروا أحد أضلاعه ونُقل إلى مستشفى الجامعة. نهار الأحد صباحاً جاء المعلّم فرح وقال: إلى الحلوة! الغداء سمك مقليّ! وذهبت معه وبعد قليل، قال لي أحد أولاده: أتريد أن تذهب معي. لنملأ الجرار ماء؟ قلتُ: نعم. وظننت أنّني ذاهب معه إلى عين الضّيعة. فما كان منه إلا أن سألني أن أقفز إلى شختورة صغيرة ، وأخذ يجذّف بي إلى عرض البحر. 

 

اترك تعليقا