الطريق
سميّت هذه المرحلة بأسماء عديدة: الرجل المريض، سايكس-بيكو، وعد بلفور،الثورة العربية الكبرى، انتدابات واستقلالات، ولادة دولة اسرائيل وغيرها. وقد أنتجت أو ورثت جيلاً إقطاعياً من الحكام معظمهم كان مع الأتراك ثم انقلب عليهم حين خسرت تركيا الحرب. وأنتجت دويلات بحدود وشرعيّة متلبسة ولقد لخّص لورنس العرب هذه المرحلة بعبارة بليغة: "دفعنا بهم إلى الموت بالآلاف وكلّ ذلك من أجل ذرة وقمح ونفط بلاد ما بين النهرين." والصورة الكبرى التي ما نزال نعيشها إلى الآن هي: حكام + إسرائيل + نفط = حروب داخلية وتخلّف.
ثم جاءت الأربعينات والخمسينات فكان انقلاب حسني الزعيم في العام 1949 والذي يُزعم أنّه كان بتخطيط من وكالة المخابرات المركزية CIA. ويقال إن كلمة انقلاب لم تكن موجودة قبل أن سمعها الناس على الراديو. وهذا الانقلاب كان البداية لموسم انقلابات طويل في العالم العربي نتج عنه هدنة بين سورية وإسرائيل ومعاهدة التابلاين. بعد الزعيم جاء انقلاب الحنّاوي في العام 1949 وتلاه الشيشكلي في العامين 1949 و 1952 وصولاً إلى انقلاب البعث في العام 1963 وانقلاب الأسد عام 1970. وجاء عبد الناصر في مصر في العام 1952 ، وعبد الكريم قاسم في العام 1958 في العراق ثم عبد السلام وعبد الرحمن عارف في العام 1963 وصولاً إلى البكر وصدّام حسين في العام 1968، القذافي في العام 1969 في ليبيا، وبو ميدين في الجزائر في العام 1965 والنميري والبشير في السودان في العامين 1969 و 1989 وبن علي في تونس في العام 1987، وانقلابات عديدة في موريتانيا. وللمهتمين بتاريkخ ايران والمنطقة أن يراجعوا ما حدث لمحمد مصدّق، المنتخب ديموقراطياً، يوم جيء بالشاه مكانه في العام 1953.
وفي وقت الانقلابات والحروب مع إسرائيل، شهد الخليج تغيرات انتقل الحكم خلالها من جيل البخلاء إلى جيل المبذّرين فمن شخبوط إلى زايد في الإمارات، ومن خليفة إلى حمد في قطر ومن سعيد إلى قابوس في عمان ومن فيصل إلى فهد في المملكة العربية السعودية. وتكاثرت الشعارات: استقرار + استنزاف + حرب تحرير + أكبر مطار وأعلى برج وصولا إلى المونديال في العام 2022. وتحت هذه الشعارات العديدة والمتناقضة كانت الأمور واضحة في عواصم صنع القرار في لندن وباريس وواشنطن. من ملوك وإقطاع (1920 حتى 1948) إلى كوربرلات وعسكر( 1949 حتى2003) إلى مشايخ التبذير (1969 حتى اليوم)، وها نحن الآن على مفترق طريق جديد.
في كانون الثاني 2011 قالت كلينتون من قطر إنّ "ركائز المنطقة بدأت تتداعى وتغوص في الرمال. والشرق الأوسط الجديد والديناميكي بحاجة لأرضية أكثر رسوخًا." وهكذا تساقط بن علي ومبارك والقذافي بعد أن تم غزو العراق في العام 2003 ودخلت سورية في حرب يقول الجنرال دمبسي أنها ستدوم عشر سنوات. لقد كان الشعار واضحاً لدى الغرب في أوائل القرن العشرين. انقلبوا على تركيا ونعطيكم الحرية وطبعاً هذا لم يحدث. ثم أصبح الشعار حاربوا الشيوعية وخذوا الحرية وهذا طبعًا لم يحدث.
أمّا اليوم، فالكلمة من واشنطن هي الطريق The Process. فالولايات المتحدة الأميركية لا تعد شعوب المنطقة هذه المرة بشيء إلا بالطريق The Process. مبارك ومرسي في السجن ومئات الآلاف من الضحايا في سورية والعشرات في العراق يومياً وعشرات المستوطنات في فلسطين سنوياً والجواب من واشنطن المهم هو الطريق The Process. وحتى لا نشعر بأننا وحدنا المستهدفون فلنتذكر أن أوباما كان قد وعد الشعب الأميركي بالتغيير Change وهكذا تصبح الأهداف مطاطية فيصبح التغيير هو الطريق والطريق هي التغيير. والجواب نجده في كتابات جورج أورويل وفي ما لخّصه بريجنسكي في العام 1968: "في المجتمع التكنوتروني، يبدو أن هناك نزعة عامّة باتجاه تجميع الدعم الفردي للملايين من المواطنين غير المنسّقين من خلال استغلال آخر تقنيات التواصل للتلاعب بالعواطف والسيطرة على العقول." وهذه هي خارطة الطريق.
جواد نديم عدره
اترك تعليقا