وعلى العربية السلام - رانيا عبدالله
كان لا بد من استخدام مقدّمة من المفترض أن نكون قد حفظناها عن ظهر قلب في كتب الجغرافيا، وأنا اعتذر مسبقاً من كل من أعدته بالذاكرة لصفوف الدراسة التي لربما كانت مملّلة له، ولكن كيف لا ولسان اللبناني بات من النوادر أن "يزلّ" ناطقاً باللغة العربية، متناسياً أنه في بلد عربي...
يشهد مجتمعنا اليوم غزواً لغوياً أجنبياً حيث أصبح إقحام بعض الكلمات الأجنبية عنواناً للرقيّ والتمدّن، فبات من أكمل حديثه من دون حشوه بالكلمات الأجنبية يشيّد له تمثالاً وسط "البرستيج" اللبناني الذي تخطّى حدود العقل والمنطق. حتى من لم يفقه بأي لغة أجنبية، بات يتبجّح بكلمتين فرنسيتين من هنا وإنكليزيتين من هناك لا يعرف هو نفسه معناهما كي يتباهى أمام الناس أنه مثقّف!!! للأسف هكذا فهم اللبناني الثقافة والرُقّيّ .
هل أصبح قاموسنا العربي عاجزاً عن إستيعاب أفكار الجيل اللبناني الصاعد؟ أم هو تعبير ناطق باللاوعي اللبناني للتنكّر لهويته اللبنانية لكثرة قرفه من همومه اليومية الكبيرة في وطنه الصغير لبنان وتعطّشه للعيش الهني والكريم الذي يتمتّع به المواطن الأجنبي في بلاد الغرب؟
الواقع من النادر اليوم أن تدخل بيتاً لبنانياً إلاّ و يستقبلك الطفل بعبارة أجنبية، فيفتخر أهله به، والملفت أنه إذا ما أخطىء الولد بإستعماله للغة أنها إهانة لهم ولكن إذا كان الولد ضعيفاً باللغة العربية فهذه ليست بكارثة لأنها لغته الأم ولن تفيده في بناء مستقبله بحسب ظنّهم. كما من النوادر أيضاً أن تمرّ بباحة جامعة أو مدرسة من دون أن تسمع الشلّة تتكلم بالأجنبية، والملفت أن حكاية الشباب اللبناني مع الألفاظ لا تقتصر فقط على استخدام الألفاظ الأجنبية الصرف بل تتعداها إلى إختراع قاموس خاص بهم مشتقّ من أصول أجنبية "كمدبرس"، "مبنّك"، "مهيبر".
نحن لا ننكر أن تعددّ اللغات هو غنى قبل كل شيء، فمن المهم جداً أن يتقن الولد لغتين أو أكثر ولكن من المعيب أن تحلّ اللغات الأخرى مكان لغتنا الأم وتقوم بإلغائها بشكل شبه كامل.
على من يقع اللوم؟ على الأهل، الذين عادة ما يتكلمون اللغة الأجنبية مع أطفالهم، أم على وسائل التواصل الإجتماعي حيث أكثر المراهقين يكتبون العربية بأحرف لاتينية في محادثاتهم الإلكترونية، أم على المدارس التي تولي إهتمام أكبر للمناهج الأجنبية أكثر من المنهج العربي، حتى بات أستاذ اللغة العربية يلقي التحية الصباحية على طلابه مستخدماً كلمة، bonjour عوضاً عن “صباح الخير”، أم ببساطة السبب يكمن وراء شعور بعض العرب بالدونيوية تجاه الغرب و بالتالي الأمور تُؤخذ على محمل الجدّ أكثر عندما تأخذ الطابع الغربي وتُحكى بلغة أجنبية، فتوحي بإحتراف أكبر؟
ما نشهده اليوم هو أزمة هوية تتعرض للإنحلال، وذلك عبر كلام أجنبي وفخفخة مصطنعة من هنا ، موضة مبتذلة و مباهاة سخيفة من هناك يستعملها اللبناني في وطنه، ربما لأنه صدّق أنه في سويسرا الشرق!! إرتباطنا بالغرب والخضوع له لغوياً، ليس شطارةً علماً أن الغرب، وهو ما يجهله البعض أمضى سنوات طويلة يترجم العلوم عن الحضارة العربية لكي يبني حضارته الخاصة. فلا تتناسوا أيها اللبنانيين تاريخكم، و تداركوا هذه الظاهرة عاجلاً كي لا تصبحون على لغة عاجلاً.
رانيا عبد الله
اترك تعليقا