للبلاد الأخرى أحلام : من بغداد إلى سجن بكين - كاثي كيلي
كيلي عضوٌ مؤسس في جمعية Voices in the Wilderness، وقد ساهمت سفراتها المكثّفة إلى العراق خلال فترة الغزو الأميركي في تقديمها وصفاً خاصاً ومعمّقاً للظروف الرديئة التي كان يرزح تحتها العراقيون، كان لصداه وقعاً أكبر من صدى النواقيس التي تنذر بالحرب أو تدعو إليها. بعد انتهاء غزو العراق، عادت كيلي إلى الولايات المتحدة حيث تعرّضت للسجن نتيجة احتجاجها ضدّ إحدى القواعد العسكرية الأميركية في جورجيا، فكان لتجربة الاحتجاز الفضل في تعريفها على حربٍ أخرى تديرها الولايات المتحّدة وهي حربٌ على المخدّرات تبقي الأمهات بمنأى عن عائلاتهنّ.
تسلّط كيلي الضوء في ما ترويه عن غزو العراق على الطابع أو الجانب الذي غالباً ما يتغاضى عنه صانعو السياسات والإعلام، والواقع أنّ عملها مع منظّمة Voices in the Wilderness في العراق هدف أساساً إلى تخفيف الآلام التي حلّت بالعراقيين من جّراء العقوبات المفروضة على البلاد. إنّ العناية التي يظهرها هذا الكتاب في تصويره الضغوط النفسية والعاطفية التي عانى منها من صادفتهم كيلي في تجوالها من شيبٍ وشباب، تعرّي الوجه المشترك للإنسانية عبر مختلف الحضارات. وتبرز هذه القواسم المشتركة في نهاية الجزء الأول حيث تصف كيلي قصصها مع الشعب العراقي قائلةً: “كانت تفاعلاتٍ بين أشخاص عاديين، من العراق إلى الولايات المتحدة الأميركية، أشخاص تناقلوا عدوى الشجاعة في زمن الحرب.”
من خلال مهارتها الوصفية ودقّتها العالية في رسم تفاصيل الظروف النفسية والجسدية للأطفال العراقيين وعائلاتهم، تنقل كيلي للمجتمع الأميركي الناطق بالانكليزية حقيقة المشهد أو المأساة التي عاناها الشعب العراقي. إلى جانب الفقر المدقع والمتفاقم بفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة، تتحدّث كيلي عن تدمير قذائف عملية عاصفة الصحراء لشبكات الكهرباء، الأمر الذي ألحق أضراراً بالمرافق الطبية، إذ أورد الأطباء عجزهم عن حفظ معداتهم وجهازات حضانة الأطفال أو حتى تخزين اللقاحات في البرادات نتيجة الانقطاع المستمر للكهرباء. لذلك، اضطرّ هؤلاء في الكثير من الأحيان إلى مناوبة ما توفّر من معدّات بين الحالات الأكثر خطورة.
في اعتقاد الكاتبة، كانت الولايات المتحّدة تمارس سياسة التضحية بالأطفال، وهو أمرٌ لطالما كانت إدارة الرئيس بوش تتّهم صدّام به. كأميركية في العراق، تذكر كيلي أنّها كانت تشعر بالخجل من صحّتها وقدرتها على العيش الرغيد. أمّا كمنظّمة ذات علاقة وطيدة بطرفي النزاع ، فشير إلى أنّهم حاولوا البقاء على مسافة واحدة من الرئيسين جورج بوش وصدّام حسين، يقيناً منهم أن كلاهما يتحمّل جزءاً كبيراً من اللوم.
في الولايات المتّحدة، كانت منظّمة Voices in the Wilderness، تتلقّى تهديدات بالإغلاق نتيجة نشاطها في العراق كما تمّ اتّهامها بدعم نظام صدّام حسين إثر تنظيمها مظاهرات مناهضة للحرب، بالإضافة إلى تغريمها 20 ألف دولار أميركي لمجرّد نقلها الأدوية والألعاب إلى العراق.
في الجزء الثالث من الكتاب، تغوص كيلي في حياة السجون النسائية في أميركا، وهي التي تمّ احتجازها نتيجة اعتراضها ضدّ معهد الأميركيتين للتدريب العسكري، فتتحدّث عن زنزانات مكتظّة بالسجناء تفتقر للحدّ الأدنى لمعايير النظافة وعن سجيناتٍ هنّ بمعظمهنّ ضحايا الحرب التي شنّتها الحكومة الأميركيّة على المخدّرات. يخصّص الكتاب بعض المقالات للحديث عن رفيقات السجن ويتمّ تصوير كلّ منهنّ لشخصها وليس كواحدة من مجموعة مجرمات، والواقع أنّ العديد من السجينات كنّ أمّهات يعانين الأمرّين و الشعور بالذنب لابتعادهنّ عن أطفالهنّ، أمّا بعضهنّ الآخر فكنّ محتجزات ظلماً كجزء من المستهدفات في الحرب على المخدّرات.
اترك تعليقا