حنّا سعادة - سرطان الرئة والتدخين

حالياً، يعدّ سرطان الرئة السبب الأكثر شيوعاً للوفاة بين السرطانات في العالم، وفور تشخيصه، يعتبر هذا السرطان إنذاراً حتمياً بالإعدام، ففي أفضل الحالات ومع توفّر أحدث العلاجات، 10% فقط من المرضى في بريطانيا يعيشون خمس سنوات إضافية بعد تشخيصهم في حين تبلغ هذه النسبة 16% في الولايات المتحدة الأميركية. إزاء معرفتنا بأنّ التدخين يسبّب 70% من سرطانات الرئة وبأنّ العلاجات من هذه السرطانات مكلفة ولا تبشّر بالشفاء، تبدو الوقاية الاستراتيجية الأنسب لمكافحة آفة التدخين العالمية.

في الدول النامية، اتضّح أنّ الكشف المبكر للسرطان قادرٌ على تحسين التكهّن بالاتجاه المحتمل أن يتّخذه المرض. لدى المدخّنين، تبيّن أنّ نسبة الوفيات لدى من تمّ فحصهم بالتصوير المقطعي المحوسب انخفضت بنسبة 20% مقارنةً بمن تمّ فحصهم عن طريق تصوير الصدر بالأشعة السينية. وعليه، قامت الهيئة الأميركية المختصة بالخدمات الوقائية بإصدار مبادىء توجيهية جديدة أفادت بأن التصوير المقطعي المحوسب للمدخنين بين 55 و79 عاماً والذين دخّنوا لما لا يقلّ عن 30 عاماً، حتى ولو كانوا أقلعوا عنه خلال السنوات ال15 الماضية، شديد الفعالية نسبةً لكلفته وقادرٌ على إنقاذ الحياة.

إلا أنّ منظّمة الصحة العالمية تقدّر أنّ 50% من الدول في العالم غير مهيّئين لإدارة أو منع السرطانات وغيرها من الأمراض الناتجة عن استهلاك التبغ، وهذا يجعل الكشف المبكر عن هذه الأمراض أمراً غير منطقي في نحو نصف دول العالم، إما لعدم توفّر الفحوصات والعلاجات اللازمة أو لعدم القدرة على تحمّلها.

تزامناً مع انخفاض نسب استهلاك التبغ وتراجع حصص السوق بفعل تصعيد حملات مكافحة التدخين في الدول النامية، انطلقت في الدول الأكثر تطوّراً حملات مضادة لتشجيع المستهلكين على التدخين. وبغية زيادة حصتها من السوق من جديد، تقوم شركات التبغ اليوم باستهداف شباب الدول النامية في حملاتها، ففي بعض الدول الأفريقية على سبيل المثال، يبدو التدخين لدى الفتيان بعمر 13 إلى 15 سنة أكثر شيوعاً منه لدى البالغين.

في محاولةٍ لمراقبة الوفيات الناتجة عن التدخين، بادرت دولة جنوب أفريقيا في خطوةٍ هي الأولى من نوعها في العالم إلى إضافة سجلّ التدخين إلى الأسئلة الموجودة على شهادات الوفاة لديها. بناءً على هذه المعلومات، بيّنت الحسابات بأنّ نسبة الوفاة هي أعلى بمرّتين لدى من كانوا يدخنون مدّة خمس سنوات قبل الوفاة، وبأنّ ارتفاع معدّل التدخين يترافق مع ارتفاعٍ بخطر الموت من جراّء أيّ سببٍ كان. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ خطرالإصابة بسرطان الرئة لدى المقلعين عن التدخين هو أدنى منه لدى المدخنين لكن أعلى منه لدى غير المدخّنين. إن إضافة هذا السؤال البسيط على شهادات الوفاة من شأنه مساعدة كافة الدول الأخرى على ضبط هذه الآفة العالمية.

في التقرير الصادر عام 2010 تحت عنوان «العبء العالمي للمرض»، صنّف التدخين كثاني أهم عامل للوفاة في العالم متقوّقاً على كافّة الأمراض والأسباب الخارجيّة الأخرى في حينٍ احتلّ ارتفاع ضغط الدم الصامت المركز الأول وأتت البدانة في المركز السادس.

لا يؤدي تقليل التدخين إلى تخفيض نسب الوفاة من سرطان الرئة وغيرها من السرطانات فحسب، بل يخفّض إحتمال الوفاة من الأمراض التنفسية وأمراض القلب والأوعية الدموية. قدّرت منظّمة الصحّة العالمية عدد المتوفّين من جرّاء التدخين في القرن العشرين بنحو 100 مليون ومن المرجّح أن يرتفع عدد الوفيات إلى مليار في هذا القرن إذا ما استمّرت هذه الآفة بالتعاظم.

عبّر مصنّعو التبغ عن رفضهم القاطع للأدلّة العلميّة التي أدانت منتجاتهم واصفين المعلومات التي تمّ جمعها بغير المقنعة. لكن مع بداية العام 1952، بدأت حملات مكافحة التدخين تؤثّر على عادات المدخّنين ومع بداية العام 1970 بدأت قوانين منع التدخين بالظهور وكان عضو مجلس الشيوخ الأميركي روبرت كندي قد استبق هذه القوانين في تصريحٍ جريءٍ أفاد فيه أنّ « قطاع صناعة السجائر يروّج لسلاحٍ فتّاك، فهو يتلاعب بحياة الناس بغية الكسب المالي. لولا السلطة الاقتصادية الهائلة التي يملكها منتجو هذا القطاع، لكانت السجائر منعت منذ سنوات.»

اكتشف التبغ للمرّة الأولى عقب اكتشاف الأميركيتين وازداد شيوعاً في أوروبا بعد الثورة الصناعية وانتشار السجائر بشكلٍ واسع. إلا أنّ إدخال التبغ إلى العالم الإسلامي، أي السلطنة العثمانية في ذلك الحين، أثار اعتراض الحكّام ورجال الدين والأكاديميين والسكان الذين اعتبروه موازياً للكحول. إلا أنّ الرشاوى وغيرها من الحوافز مكّنت صانعي التبغ من اقتحام السطنة العثمانية في أواخر القرن السادس عشر، فما كان من السلطان مراد الرابع إلا أن أصدر مرسوماً يعاقب المدخنّين بالموت. لكنّ الحظر تمّ رفعه بعد وفاته وقام خلفه ابراهيم بفرض ضرائب على التبغ. ولم يلبث أن غزا هذا المنتج العالم بعد بضعة عقودٍ فحسب. على الرغم من بعض المعارك التي ربحناها في مناهضة هذا الآفة إلا أنّ الحرب قد تستمرّ لقرونٍ عديدة قبل أن نتمكّن من تحرير العالم من طغيان غزاة التبغ. 

اترك تعليقا