حنّا سعادة - إلتهاب المفاصل الروماتويدي
يتتشر التهاب المفاصل الروماتويدي لدى النساء أكثر بثلاث مرات من انتشاره لدى الرجال ويكون أكثر شيوعاً في منتصف العمر لكن من الممكن أن يبدأ في أي مرحلة عمرية بما فيه الطفولة، وهو يصيب نحو 0.6% من الأميركيين أي نحو مليوني شخص.
ظهر أول توصيفٍ حديثٍ للمرض في العام 1800 على يد الجراح الفرنسي أوغوستين جاكوب لاندري بوفي الذي خالف أطباء عصره باعتقاده أن المرض هو نوع من أنواع النقرس. أمّا اسم المرض Rheumatoid Arthritis فقد ابتكره طبيب الملكة فيكتوريا، الانكليزي سير ألفرد برينغ غارود، في العام 1859.
يهاجم التهاب المفاصل الروماتويدي بصورة متماثلة المفاصل الصغرى لليدين والقدمين والرقبة ناهيك عن تلك الأكبر حجماً كمفاصل الركبة والكتفين. تصبح المفاصل الملتهبة حمراء اللون، ساخنة، متورّمة ، ومتيبّسة فتؤثّر على القدرة على الحركة. على عكس ما هو الحال في مرض هشاشة العظام، يطول الشعور بالتيبس عند الصباح لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي وعادةً مما يدوم أكثر من ساعة. تتلف هذه المفاصل تدريجياً ما لم تتم معالجتها ما قد يؤدي إلى تشوّه وإعاقة.
إن أقارب الدرجة الأولى (الوالدين، الأخوة، الأبناء) هم الأكثر تهيؤاً للإصابة بهذ المرض، إلا أنّ التفاعل بين الجينات والمحيط قد يزيد احتمال الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي:
1) هذا المرض هو أكثر شيوعاً بثلاث مرّات لدى المدخّنين- الرجال منهم بشكلٍ خاص.
2) يبدو أنّ استهلاك الكحول باعتدال قد يحمي من الإصابة بالالتهاب.
3) يرتبط التهاب المفاصل الروماتويدي ببعض فيروسات مرض القوباء الجلدي كفيروس كثرة الوحيدات وفيروس القوباء 6.
4) غالباً ما يكون النقص في الفيتامين (د) شائعًا لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي.
5) تفيد بعض الدراسات أنّ تناول مكمّلات الفيتامين (د) قد يلعب دوراً وقائياً في الحماية من هذا المرض.
إن الآليات المناعية المرتبطة بالتهاب المفاصل الروماتويدي معقّدةٌ للغاية ومحدّدة على نحو بارز:
1) تقوم بعض السيتوكينات (جزيئات صغيرة تستخدم في عمليات نقل الإشارة ما بين الخلايا وتسمّى بجزيئات TNF) بالدفع بهذا المرض.
2) إن إعاقة عمل هذه الجزيئات من شأنه صدّ مرض التهاب المفاصل الروماتويدي.
3) إن تعطيل الخلايا الليمفاوية (B) وليس (T) للنخاع العظمي قادرٌ أيضاً على صدّ هذا المرض.
4) إنّ تعطّل جهاز المناعة يجعل المرضى ينتجون أجساماً مضادة في وجه أجسامهم المضادة الذاتية وبروتيناتهم الخاصّة.
5) هذه الأجسام المضادة التي تعكس حركة المرض، يمكن قياسها في الدم.
أماّ الحصيلة النهائية لهذه العمليات المناعية المضطربة فهي تلف تدريجي للمفاصل وغيرها من الأعضاء ما قد يؤدي إلى الإعاقة أو الزوال النهائي. لذلك، فإن التشحيص المبكر والعلاج الفوري والصارم عاملان أساسيان في الحفاظ على وظيفة المفاصل والأعضاء وتجنّب تلفها النهائي، فالهدف من العلاج المبكر هو تخفيف حالة المرض أي القضاء على علاماته وأعراضه والحرص على إبطال نشاطه لكي لا تظهر من جديد.
عادةً ما يكون العلاج التقليدي لالتهاب المفاصل الروماتويدي من خلال المثوتركسايت وهو دواء لأمراض المناعة الذاتية يعمل على تخفيف حالة المرض في نحو 30% من المرضى فقط. وفي حال إخفاق المثوتركسايت، يتمّ اعتماد مقاربة أكثر عصرية عبر إضافة أدوية أخرى مضادة للمناعة تدعى Biologicals وتعمل على صدّ وتعطيل جزيئات TNF و الخلايا الليمفاوية B التي تسرّع الالتهاب وتلف المفاصل. وبالإضافة إلى تأثيراتها الجانبية، المشكلة في هذه الأدوية هي كلفتها المرتفعة. فتناول هذا العلاج لسنةٍ واحدة يكلّف آلاف الدولارات وهي مبالغ تفوق إمكانيات المرضى خصوصاً غير المضمونين.
في دراسةٍ نشرت في مجلّة New England الطبيّة في عددها الصادر في 25 تمّوز 2013، اعترض أوديل وآخرون على وصف ال biologicals حين يخفق المثوتركسايت في إبطال نشاط المرض، فعمدوا إلى مقارنة العلاج الحديث لالتهاب المفاصل الروماتويدي غير المتجاوب مع المثوتركسايت مع العلاج القديم الذي كان سائداً قبل ظهور ال biologicals، فبيّنوا أنّ العلاج القديم الذي يقضي بإضافة نوعين رخيصين من الدواء هما Sulfaslalzine و Hydroxychloroquine ليس أقلّ فعاليّة من العلاج الحديث وإنّما أبطأ بقليل. أمّا مزاياه فهي قدرة المرضى على تحمّل سعره وسلامة استخدامه. إن ارتفاع الفاتورة الطبيّة في عالمنا اليوم بات يحتّم على الأطباء احتواء التكلفة خصوصاً حين تكون النتيجة متساوية سواء أنفق القليل أو الكثير.
20% من الراشدين في الولايات المتحدة اليوم، بما فيه المشمولين بالضمان، يعانون من عدم القدرة على تحمّل فواتيرهم الطبية، حتّى أنّ 1.7 مليون أميركي يصابون بالإفلاس لعجزهم عن وفاء ديونهم الطبية. إزاء هذه الأزمة المتفاقمة، لم يعد من المنطقي اللجوء إلى العلاجات العصرية المكلفة إذا كانت تلك التقليدية لا تقلّ قدرةً على توليد النتائج عينها.
من الممكن أن تبدأ شركات التأمين بتغطية نفقات الbiologicals الحديثة قريباً في حال لم تثبت الأدوية التقليدية القديمة فعاليتها، إلا أنّ الدراسة التي أجراها أوديل وآخرون بيّنت أن عدد المرضى الذين تجاوبوا مع ال biologicals بعد فشل الأدوية التقليدية يساوي عدد الذين تجاوبوا مع الأدوية التقليدية بعد فشل ال biologicals. وعليه، يبدو أنّ الاتّجاه سيكون مستقبلاً نحو البدء بالعلاج التقليدي والانتقال إلى الحديث في حال لم يجدِ الأول نفعاً.
اترك تعليقا