قرطاج بعد هدمها هل رشّت فعلاً بالملح؟-وهم رقم 67

الحقيقة:

لم ترد في النصوص والمراجع التاريخية المتعلقة بمدينة قرطاج أي إشارة إلى حادثة تمليح التربة بالرغم من شيوع هذه العادة في الكثير من المدن في حالات الحرب. لكنّ المعروف أن الرومان قاموا بأسر وقتل العديد من سكان قرطاج كما أنهم قاموا بأخذ البعض عبيداً لهم ثمّ أحرقوا المدينة، وهو ما يفسّر وجود القليل من بقايا المدينة اليوم. بالرغم من التداول المستمر لهذه الحادثة حتى يومنا هذا، وبالرغم من تحدّث فلاديمير بوتين المفصّل عنها مؤخراً، ما من وثائق تاريخية تشهد على صحّتها.

في مقاله الصادر حول هذه الحادثة بعنوان To be Taken with a Pinch of Salt: The Destruction of Carthage، في العام 1986، يظهر ر. ت. ريدلي من خلال بحثٍ معمّق أن الحديث عن الحادثة المزعومة ورد للمرّة الأولى في القرن العشرين (العام 1930 تحديداً) في موسوعة كامبريدج الثامنة حول التاريخ القديم على لسان ب. ل. هالوارد الذي ذكر حادثة رش الملح من دون تحديد أية مراجع لتوثيق كلامه. من الصعب فكّ اللغز الذي أفرز هذه الخرافة، لكن لعلّ الكاتب كان متأثّراً بصورٍ قديمة لبعض المدن التي تمّ تمليحها.

وفي دحضٍ لهذا الوهم، تجدر الإشارة إلى أنّ الملح كان حينها أكثر قيمةً ممّا هو عليه اليوم وكان يستخدم لتخزين الطعام، كما أنّه ازداد أهميةً نظراً لصعوبة الحصول عليه. فهل يمكن للرومان، بعد أن أنفقوا الغالي والنفيس على حروبهم، أن يبذّروا كميات هائلة من الملح لمجرّد إعاقة نمو المحاصيل؟

وخير دليلٍ على أهمية هذه السلعة لدى الرومان هو أنّهم كان يدفعون أجور جنودهم بالملح ولا عجب أن كلمة Salary أي الأجر بالانجليزية مشتقّة من الكلمة اللاتينية Sal التي تعني الملح أو Salt. وهكذا تطوّرت الكلمة لتشمل كافة الرواتب المدفوعة بالملح أو بغيره، لذلك من غير المرجّح أن تكون مدينة قرطاج قد دمّرت برشّة ملح.

اترك تعليقا