الحكومات العسكرية في لبنان-حكومتان وثالثة برئاسة عسكري

حكومة برئاسة عسكري

في العام 1952 اندلعت أزمة سياسية كانت تباشيرها قد بدأت في العام 1947 عندما جرت انتخابات نيابية مسبقة وصفت بالمزوة ليكون المجلس النيابي الجديد موالياً للرئيس بشارة الخوري الراغب بتجديد ولايته التي تنتهي في العام 1949، التجديد حصل لكنه أوجد للشيخ بشارة متاعب، بدأت بمظاهرات وإضرابات ووشوشات في السر، وانتقادات من الجرائد في العلن ، وأحاديث عن الفساد لاسيما شقيق الرئيس، سليم، الذي أطلق عليه لقب “السلطان سليم” حتى أدى الأمر إلى قيام جبهة نيابية تطالبه بالاستقالة. وعلى اثر إضراب قامت به الهيئات الشعبية حاول الرئيس رأب الصدع فألف وزارة في 9 أيلول 1952 برئاسة ناظم العكاري دامت خمسة أيام. لم تستطع في أثنائها المثول أمام المجلس الذي اجتمع في 14 أيلول ، وقدم بعض أعضائه عريضة إلى رئيس المجلس يطلبون بها أن ينقل الى رئيس البلاد رغبة الشعب في استقالته وجاء فيها: “نزولاً على حق الشعب وتنفيذاً لإرادته فإننا الموقعين نطلب إلى رئيس الجمهورية أن يعتزل منصبه ويقدم استقالته واعتبار كل من يتعاون مع رئيس الجمهورية خارجاً على إرادة الشعب ومتآمرا عليه”. وفي ذلك اليوم أجرى الشيخ بشارة المحاولة الثانية، فطلب من الرئيس عكاري الاستقالة وكلف صائب سلام تأليف الحكومة. التي دامت مدتها أربعة أيام لم تستطع فيها المثول أمام المجلس. عندئذ أيقن الرئيس أن لا مفر من الاستقالة الرئيس فألف وزارة انتقالية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب وصدر المرسوم الرقم 9442 تاريخ 18 أيلول 1952 بتعيين حكومة ثلاثية مؤلفة من:

  • قائد الجيش اللبناني فؤاد شهاب (ماروني) رئيساً للوزارة، ووزيراً للدفاع الوطني وللداخلية .

  • ناظم عكاري (سني) نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية وللأشغال العامة، والتربية الوطنية، البريد والبرق، والأنباء، والزراعة والصحة.

  • باسيل طراد (روم أرثوذكس) وزيراً للاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية والعدلية والمالية.

وفي اليوم ذاته قدم الرئيس الخوري استقالته إلى مجلس النواب. وفور تسلمه مهام الوزارة وجه شهاب إلى الشعب اللبناني البيان التالي:

إن فخامة رئيس الجمهورية قدم استقالته إلى رئاسة مجلس النواب واستلمت الأحكام بالصورة الدستورية كرئيس للوزارة. ويقوم مجلس الوزراء المؤلف مني ومن السيدين ناظم عكاري وباسيل طراد، بمهام رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 62 من الدستور اللبناني، إلى أن يتسنى لمجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية يباشر سلطاته بأقرب ما يمكن من الوقت وفقاً للدستور.

واني فيما ابتهل إلى الله أن يوفق لبنان إلى ما فيه خيره وإسعاد بنيه، أدعو اللبنانيين إلى الإخلاد للسكينة التامة، والى استمرار التآخي والاتحاد فيما بينهم، والى عدم القيام بأية تظاهرة من أي نوع كانت، نظراً لما قد يترتب عليها من الإخلال بالأمن ، وتمزيق في أوصال هذا الوطن الذي نقدسه جميعاً .

وفي 23 أيلول انتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية، فقدم الرئيس فواد شهاب استقالة حكومته إلى الرئيس كميل شمعون وجاء نصها:

“لما كانت قد انتهت مهمة الحكومة التي ترأستها بعد أن قام مجلس النواب بانتخاب فخامتكم رئيساً للجمهورية، ولما كانت هذه النتيجة قد مهدت لانبثاق حكومة دستورية جديدة ، فأني مع زميلي في الحكم نتقدم من فخامتكم باستقالة الوزارة، رافعين إلى فخامتكم خالص التهاني وصادق التمنيات بأن يكون عهدكم عهد خير ويمن على البلاد .

فالحكومة الأولى في لبنان التي يترأسها عسكري كانت ثلاثية لم تعمر سوى 5 أيام (واستمرت تصرف الأعمال 7 أيام أخرى) ولم تمثل أمام مجلس النواب أو تقدم بياناً وزارياً.

الحكومة العسكرية الأولى

أما الحكومة العسكرية الأولى في تاريخ لبنان فقد شكلت إبان الحرب اللبنانية في العام 1975 فبعد تصاعد أعمال العنف واستقالة حكومة الرئيس رشيد الصلح عمد رئيس الجمهورية. سليمان فرنجية في 23 أيار إلى 1975 بعد محاولات فاشلة لتشكيل حكومة، أما برئاسة الرئيس رشيد كرامي أو الرئيس صائب سلام، عمد الى تشكيل حكومة عسكرية وترافق ذلك مع التطورات التالية:

  • ضغط سياسي شديد على رئيس الجمهورية لتكليف كرامي من غير أن يسبق هذا التكليف شرط أو اتفاق بالنسبة الى إنزال الجيش لحفظ الأمن.

  • ضغط مضاد يتجاوز تكليف كرامي وتعيين أي سني مستعد لإنزال الجيش.

  • اجتماعات واتصالات مع السفراء العرب للتوصل إلى هدنة تعلنها الدولة على مسؤوليتها ويوكل تنفيذها إلى لجان مشتركة عسكرية لبنانية- فلسطينية بمعزل عن الكتائب والمقاتلين معها وهي طريقة غير مباشرة لإنزال الجيش إلى الساحة. وكان قد ذكر أن مسألة إنزال الجيش ارتبطت بشرط ان يسبق الإنزال تعيين حكومة تطالب هي بإنزال الجيش أو تكليف رئيس حكومة يؤمن غطاء سياسياً لهذه المسألة.

  • في هذه الاثناء كانت الاشتباكات تتصاعد وتتوسع بشكل غريب ومجنون وصفه البعض بأنه مصطنع، خصوصاً بعدما تحول في الساعات الاخيرة إلى ما يشبه الاقتتال الطائفي البشع في مناطق الشياح وعين الرمانة.

وقد تشكلت الحكومة على النحو التالي:

  • العميد أول المتقاعد نور الدين عبدالله الرفاعي (سني)، رئيساً لمجلس الوزراء وزيراً للعدل، الصحة العامة، الصناعة والنفط.

  • مساعد رئيس الأركان العميد الركن موسى جرجس كنعان (روم أرثوذكس) ، نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للإعلام ، وللتربية الوطنية والفنون الجميلة.

  • قائد الجيش العماد اسكندر أسعد غانم (ماروني)، وزيراً للدفاع الوطني، وللموارد المائية والكهربائية.

  • رئيس الأركان العماد سعيد حسن نصرالله (درزي)، وزيراً للداخلية وللإسكان والتعاونيات.

  • العميد الركن فوزي ابراهيم الخطيب (سني)، وزيراً للاقتصاد والتجارة وللتصميم العام.

  • العميد الركن فرانسوا باسيل جنادري (روم كاثوليك)، وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، وللبريد والبرق والهاتف .

  • العميد الركن زين الدين اسماعيل مكي (شيعي)، وزيراً للأشغال العامة والنقل، والزراعة.

  • لوسيان منير دحداح (ماروني)، وهو المدني الوحيد في الحكومة، وزيراً للخارجية والمغتربين وللآثار والسياحة.

الحكومة التي اعتبرت “آخر الدواء أي الكي” جوبهت برفض سياسي عارم من كتل وتيارات سياسية مختلفة لاسيما من الرئيس صائب سلام ورشيد كرامي والعميد ريمون اده والنائب كمال جنبلاط (موقفه في آخر المقالة) بينما رحب بها كل من الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، لم تحدث الصدمة المطلوبة لذلك أقدمت على الاستقالة في 26 أيار أي بعد 3 أيام على تشكيلها وهي لم تمثل أمام مجلس النواب أو تقدم بياناً وزارياً وبقيت تصرف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة من الأول من تموز 1975 وكانت برئاسة الرئيس رشيد كرامي.

الحكومة العسكرية الثانية

قبل انتهاء ولايته في 23 أيلول 1988، كان الرئيس أمين الجميل يأمل ويسعى حتى الأيام الأخيرة بتجديد أو تمديد ولايته لسنة أو سنتين، لكنه فشل في مسعاه فبدأ في الساعات القليلة التي تسبق انتهاء ولايته، العمل على تشكيل حكومة جديدة تقوم مقام رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس جديد خصوصاً وأن الحكومة الموجودة تعتبر حكومة تصريف أعمال. إذ كان رئيس الحكومة رشيد كرامي قد أعلن استقالة حكومته بتاريخ 4 أيار 1987 واستشهد في الأول من حزيران 1978 بتفجير المروحية التي كانت تقله من طرابلس إلى بيروت. وصدر مرسوم عن رئيس الجمهورية أمين الجميل يسمي الرئيس سليم الحص وزير العمل والتربية الوطنية والفنون الجميلة في الحكومة المستقيلة رئيساً للحكومة بالوكالة لتصريف الأعمال ريثما يتم تأليف حكومة جديدة، لكن تأليف الحكومة تأخر، ودخلت البلاد في مرحلة الانتخابات الرئاسية إذ دعا رئيس مجلس النواب حسين الحسيني إلى جلسة في 18 آب 1988 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ، وفي الموعد المحدد تأجلت الجلسة إذ لم يحضر سوى 38 نائباً، وفي 2 أيلول وجه الرئيس سليم الحص إلى رئيس الجمهورية كتاباً يبلغه فيه العودة عن استقالة الحكومة. لكن الرئيس أمين الجميل رد بكتاب يفند فيه عدم دستورية وقانونية العودة عن الاستقالة. واستمر السعي والسباق لتشكيل حكومة انتقالية قبل انتهاء ولاية الرئيس فطرحت فكرة تسمية الرئيس سليمان فرنجية رئيساً للحكومة بعد أن ينسحب من معركة رئاسة الجمهورية لكن هذا الاقتراح لم يلق موافقة القوات اللبنانية وحزب الكتائب والرئيس الجميل. في هذا الوقت أفضت المفاوضات الأميركية- السورية من خلال الجولات الحكومية للوسيط الأميركي ريتشارد مورفي إلى الاتفاق على مخايل الضاهر مرشحاً لرئاسة الجمهورية وتم تحديد يوم 22 ايلول لجلسة الانتخاب وتتويج هذا الاتفاق الذي رفضته القوى والأحزاب المسيحية (الرئيس أمين الجميل، القوات اللبنانية- حزب الكتائب- حزب الاحرار- قائد الجيش العماد ميشال عون).

وهنا كان التحذير الشهير للوسيط الأميركي “إما مخايل الضاهر او الفوضى”. فطارت الجلسة النيابية وبدأت مفاوضات سريعة لتشكيل الحكومة الانتقالية.

طرحت فكرة تعويم حكومة الحص فيحل داني شمعون مكان والده وعمر كرامي مكان شقيقه، لكن القوى المسيحية رفضتها.

وطرحت فكرة تولي النائب بيار حلو تشكيل حكومة لكن الحلو اعتذر وضاقت الخيارات مع نفاد الوقت، وفي الربع ساعة الأخيرة من ليل 22-23 أيلول 1988 صدر المرسومان الأخيران في ولاية الرئيس أمين الجميل.

  • المرسوم رقم 5387 بتعيين العماد ميشال عون قائد الجيش رئيساً لمجلس الوزراء.

  • المرسوم رقم 5388 تشكيل الحكومة (مؤلفة المجلس العسكري في الجيش اللبناني) على النحو التالي:

  • العماد ميشال نعيم عون (ماروني)، رئيساً لمجلس الوزراء وزيراً للدفاع الوطني وللإعلام.

  • العقيد عصام نقولا أبو جمرا (روم أرثوذكس) نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وللإسكان والتعاونيات وللاقتصاد والتجارة .

  • العميد ادغار فؤاد معلوف (روم كاثوليك) وزيراً للمالية وللصناعة والنفط.

  • اللواء محمود فؤاد طي أبو ضرغم (درزي) وزيراً للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل.

  • العميد نبيل محمد أمين قريطم (سني) ، وزيراً للخارجية والتربية الوطنية والفنون الجميلة وللداخلية

  • العقيد لطفي حيدر جابر (شيعي) وزيراً للموارد المائية والكهربائية وللزراعة والعدل.

لكن الوزراء المسلمين (أبو ضرغم، قريطم، جابر) أعلنوا استقالتهم من الحكومة فور صدور المراسيم . وفي يوم 24 أيلول تكرس الانقسام الحكومي: حكومة الرئيس سليم الحص في السرايا وحكومة عون في قصر بعبدا.

واستمر هذا الوضع قائماً حتى انتخاب الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني 1989.

الحكومة العسكرية مستقبلاً

قبل إقرار اتفاق الطائف في العام 1990 كان تعيين رئيس الحكومة يخضع لإرادة ومشيئة رئيس الجمهورية فهو الذي يختاره ويعينه.

وتشكيل كان لا يشذ عن هذه القاعدة شرط تأمين أكثرية نيابية لها تمنحها الثقة. فنصت المادة 53 من الدستور “رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم”.

بعد الطائف اختلف الوضع جذرياً وأصبح تكليف إحدى الشخصيات السنية تشكيل الحكومة يخضع لاستشارات نيابية ملزمة، بإجرائها وبنتائجها، يجريها رئيس الجمهورية ويطلع رئيس مجلس النواب عليها، أي أصبح اختيار رئيس الحكومة يتم بشبه انتخاب وليس بقرار ورغبة رئيس الجمهورية.

وبالتالي من الصعب والمستحيل تشكيل أي حكومة عسكرية في لبنان إلا في حال موافقة أكثرية النواب على ذلك.

تبقى أخيراً الإشارة أن الحكومتين العسكريتين لم توجدا حلولاً للمشاكل بل سببت مشاكل بحد ذاتها لاسيما حكومة العماد ميشال عون.

موقف جنبلاط من الحكومة العسكرية: جنبلاط ضد العسكر

كان للنائب كمال جنبلاط موقف حاسم ورافض للحكومة العسكرية ورد في الصحف كما يلي:

  • أولاً: “أنها مخالفة للأعراف الدستورية التي تقضي بأن يذهب رئيس الحكومة المكلف إلى المجلس النيابي الذي هو السلطة التمثيلية العليا في البلاد لإجراء استشارات مع الكتل والأحزاب. لذلك فأن تشكيل الحكومة هو مخالفة للأعراف الدستورية وما من رئيس جمهورية أقدم على هذه المخالفة اطلاقاً حتى في عهد الانتداب”.

  • ثانياً: “إن هذه الحكومة تشجع العسكريين على تسلم الحكم بحيث ندخل في دوامة الحكومات العسكرية”.

  • ثالثاً: “نحن ضد تسلم أي عسكري الحكم، وأي حكم عسكري للبنان، لأن العسكر لا يمثل الشعب اللبناني، إنما الأحزاب والشخصيات والهيئات السياسية والنقابية والمهنية هي التي تمثل الشعب. لقد كنا طول عمرنا نفاخر العالم العربي بأننا الوحيدون الذين عندنا الحكم البرلماني الديمقراطي ونظام الحريات الكامل ومبدأ السيادة الشعبية”.

  • رابعاً: “إن تعيين الحكومة العسكرية سيقسم البلد بشكل خطير جداً، خصوصاً عندما نعلم أن الفريق الأكبر من المواطنين يعتبره صفعة مباشرة لإرادته الوطنية ولحقه في المشاركة الكاملة وأن يتمثل بالشخصية الإسلامية التي تمثل التيار الوطني في لبنان وتعبر عن إرادة المسلمين”.

  • خامساً: “إن هذا يدل على تورط بعض الأجهزة في عمليات الكتائب تمهيداً لمجيء العسكريين إلى الحكم”.

  • سادساً “إن الحكومة العسكرية ستعتبر خطراً على الوجود الفلسطيني في لبنان وعلى المقاومة في شكل خاص وسيعتبرونها مقدمة لمحاربة الثورة الفلسطينية ومحاولة لتصفيتها، وهو الامر الذي سيقاومه الشعب اللبناني كله”.

  • سابعاً: “لا شك في أن علاقاتنا بالعالم العربي ستكون سيئة جداً بالنسبة إلى انعكاس تكوين هذه الحكومة ومخاوف الحكومات العربية من تصرف يسيء في الداخل إلى المقاومة الفلسطينية والى الوجود الفلسطيني والى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين يرتبطون بالعالم العربي ارتباطاً مصيرياً”. 

اترك تعليقا