حدث في مثل هذا الشهر في السودان

حكم عثماني طويل شهدته السودان بدأ في العام 1821 بضم شمال السودان إلى الدولة العثمانية، كانت نتيجته ثورة قادها محمد أحمد المهدي ضد الحكم التركي ونجح بطردهم من السودان معلناً بذلك قيام الدولة المهدية عام 1885، إلا أن تلك الدولة لم تستمر طويلا بعد أن أسقطها الإنجليز بصحبة المصريين في العام 1898 معلنين «اتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري» التي نصّت بتولي حاكم عام من بريطانيا العظمى الحكم مع منع دخول قوى أخرى تقاسمها السودان.

أخذت بريطانيا برسم حدود السودان بما يتماشى مع مصالحها في وقت كانت القوى الوطنية السودانية تضمر كراهية عميقة للسيادة الاستعمارية فكان العام 1924 ساخناً، إذ شهد على عدد من المظاهرات لطلاب الكلية الحربية إضافة إلى المظاهرات التي قادتها جمعية اللواء الأبيض، الجمعية التي عملت على بعث الوعي القومي برئاسة النقيب علي عبد اللطيف؛ غير أن الأحداث ما لبثت أن تطورت لتأخذ طابعاً مسلّحاً بين القوات البريطانية من جهة وضباط وجنود سودانيين من جهة أخرى ... وكانت الذروة إثر مقتل السير لي ستاك، الحاكم الانجليزي للسودان في شوارع القاهرة وهو عائد من بريطانيا، فجن جنون الإنجليز وأخذوا بصرف الجيش والموظفين المصريين من السودان، لينفردوا بحكمه دون المصريين، غير أن الوعي السوداني الوطني اختار الاصطفاف مع المصريين ضد الإنجليز حتى حصلت المواجهة التي صمدت فيها القوات السودانية وقتلت عشرات من الجند المستعمرين في بطولة نادرة قبل أن تتمكن الآلة العسكرية المستعمرة من قتل عبد الفضيل الماظ، قائد الضباط السوداني.

سارعت القوات البريطانية في العام 1930 بفرض سياسة فصل شمال السودان عن جنوبه بجعل المنطقتين تداران بصورة منفصلة فكانت الحركة الوطنية في الشمال مدعومة من المصريين بينما ظل الجنوب معزولا، بعدها في العام 1936، بدأت تنازلات الحكومة البريطانية تظهر، حيث سمحت بقيام مجلس استشاري في الشمال لتقديم الاستشارات للحاكم العام البريطاني، قبل أن يظهر في فترة الأعوام الممتدة من 1940 إلى 1945 تنظيم سياسي عُرف «بمؤتمر الخريجين» مارس ضغوطات على الإدارة البريطانية لتسهيل مواكبة الجنوب للشمال في مجال التعليم والتنمية.


على أثر هذه الضغوطات، قامت في العام 1948 أول هيئة تشريعية في السودان من 13 عضوا وكانت بداية الحكومة الممثلة وأول خطوة نحو الاستقلال، تبعها في العام 1954 مع إدارة الحكم الثنائي إتفاقية تمنح السودان حق تقرير مصيرها وأجريت أول انتخابات عامة في البلاد في تلك السنة.

فاز حزب الإتحاد الديمقراطي المتحالف المدعوم من مصر بأغلبية في البرلمان وأختير اسماعيل الأزهري رئيساً لوزراء السودان وفي 19 كانون الأول من العام 1955 صوّت البرلمان بالإجماع لصالح استقلال السودان، ليتمّ في تمام الساعة الحادية عشر صباحا من اليوم الأول من شهر كانون الثاني 1956 إنزال علمي الحكم الثنائي البريطاني والمصري من سارية سراي الحاكم العام ليرتفع في اللحظة نفسها علم جمهورية السودان ويشهد بميلاد دولة عربية جديدة انضمت إلى جامعة الدول العربية في 19 كانون الثاني 1956 وإلى هيئة الأمم المتحدة في 12 تشرين الثاني من العام نفسه لتكون من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية في الإتحاد الأفريقي.

اترك تعليقا