شهر كانون الثاني - التمديد الأول لمجلس نواب 1972-مجلس الوزراء يطلب التمديد والنواب يقرونه
فقد جاء في الأسباب الموجبة للتمديد إن مجمل هذا الوضع الأمني والسياسي المتوتر يعطل بشكل كبير إمكانية القيام بتحرك انتخابي وتنظيم الحملات... وبما أنه صدرت في لبنان قوانين مددت مدة ولاية مجلس النواب لأكثر من مرة وهي القوانين رقم 1/76 - 3/78... وبما أن القوانين المذكورة أعلاه مددت ولاية المجلس النيابي تحت وطأة الحرب والقوة القاهرة والظروف الاستثنائية، فإن اقتراح القانون الذي نحن بصدده ما هو إلا لمنع الحرب واستدراك الفتنة ونتائج الأزمات الخطيرة المحدقة بنا. وهكذا وبقدرة النواب أصبح إجراء الانتخابات وتداول السلطة عمل قد يسبب الحرب والفتنة.
وأن تبرير التمديد الحالي بالاستناد الى سوابق حصلت في الماضي هو خطأ كبير فالظروف الحالية لا يمكن مقارنتها بتلك التي كانت سائدة أبان الحرب ، وحتى التمديد حينها لم يحصل بصورة تلقائية بل استحوذ على نقاش نيابي- قانوني واسع.
مشروع قانون التمديد الاول
انتخب مجلس النواب في الفترة ما بين 12-30 نيسان 1972 وكان يفترض ان تنتهي ولايته في 2 أيار 1976 لكن الأحداث والحرب الطاحنة التي اندلعت في 13 نيسان 1975 جعلت إجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء ولاية المجلس امراً صعباً بل مستحيلاً لذا كان القرار- السابقة بتمديد ولاية المجلس .
فقد اجتمع مجلس الوزراء يوم الأربعاء في 14-1-1976 (أي قبل انتهاء ولاية المجلس بنحو 6 أشهر لأن الجميع أصبح على قناعة أن الحرب مستمرة ولن تنتهي في الأشهر القادمة قبل موعد انتهاء ولاية مجلس النواب).
في جلسة برئاسة رئيس الجمهورية سليمان فرنجية وحضور رئيس الحكومة رشيد كرامي والوزراء الذين غاب منهم وزير الداخلية الرئيس كميل شمعون لوجوده في منطقة السعديات وصعوبة وصوله إلى قصر بعبدا والوزير غسان تويني لقيامه بتمثيل الرئيس فرنجية في مأتم أحد الوزراء السابقين. وطرح في الجلسة موضوع التمديد لمجلس النواب، ونوقشت أسبابه وموجباته وأجمع الوزراء على استحالة إجراء. الانتخابات النيابية في الظروف الراهنة، وتقرر إعداد مشروع قانون معجل مكرر بتمديد ولاية مجلس النواب سنة كاملة، وذلك وفقاً لما جاء في الصحف عن مداولات الجلسة.
صدرت عدة مواقف سياسية وقانونية من موضوع التمديد حيث انقسمت بين مؤيد ومعارض المتفهم للظروف التي فرضت ذلك وقد جاءت هذه المواقف:
المواقف المؤيدة للتمديد
- الرئيس رشيد كرامي (كان رئيساً للحكومة): “تم تفادي الفراغ الدستوري فقررنا التمديد لمجلس النواب لمدة سنة وسنرسل مشروع قانون معجلاً لهذه الغاية”.
- الرئيس كميل شمعون (كان وزيراً للداخلية): “إنني موافق على ذلك مكرهاً لأنها سابقة أولى من نوعها في لبنان، ونظراً لدقة الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد لا بد من تمديد ولاية المجلس لأنه ليس في إمكان السلطة إجراء الانتخابات النيابية في مثل هذه الاجواء، وقد حصلت سابقة مماثلة في بريطانيا وأخرى في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، وفي النظام الديمقراطي هناك تحسب لاي طارئ ويمكن بواسطة القوانين والنصوص ملء أي فراغ دستوري”.
- الوزير المير مجيد أرسلان (كان وزيراً للصحة): “ما فيك تعمل انتخابات بوجود السلاح والاحقاد التي ولدتها الاحداث بين الناس، الحكومة وافقت على مشروع قانون بتمديد الولاية لمدة سنة، المجلس يجوز يمدد لمدة أكبر، انشا الله بيعملوه بعد شهر...”
- النائب ناظم القادري رئيس لجنة الإدارة والعدل: “لا يوجد أي ارتباط بين التمديد للمجلس النيابي - نظراً إلى استحالة دعوة الناخبين وإجراء الانتخابات ضمن المهل القانونية- وتعديل الدستور تمهيداً للتمديد مدة حكم رئيس الجمهورية خصوصاً أن انتخابات رئاسة الجمهورية واقعة في أواخر الصيف، وبالتالي يمكن إجراء انتخاب رئيس الجمهورية في وضع قد يكون مستقراً وآمناً ”.
- النائب منير أبو فاضل: “ما دام لا يمكن إجراء انتخابات في هذا الجو المتوتر والأسلحة على أنواعها في أيدي المواطنين. وبما أن الحكومة رأت التمديد للمجلس البلدية والاختيارية لمدة سنة للأسباب نفسها، لذلك لا أرى أي مانع دستوري أو غيره من التمديد للمجلس النيابي”.
- الخبير القانوني ادمون رباط: “السؤال طرح منذ سنتين، ولا ريب أن في وسع السلطة الاشتراعية أن تدخل تعديلاً على قانون الانتخاب و أن تعطي لهذا التعديل مفعولاً آنياً بمعنى أن مدة ولاية المجلس الحالي تصبح ممددة إلى تاريخ معين، وذلك لأن مدة ولاية مجلس النواب محددة في قانون الانتخاب وليس في الدستور كما أشار إلى ذلك رئيس الحكومة، وقد أصبحت هذه القضية التي تناولتها الآراء منذ أكثر من سنة، بديهية وهي من المسائل القانونية التي لا تستدعي السؤال والجواب”.
وفي شأن الوكالة البرلمانية قال رباط:
“الوكالة البرلمانية تختلف في طبيعتها القانونية عن الوكالة في القانون الخاص، ذلك أن الانتخاب لم يكن سوى طريقة لتشكيل مجلس النواب ولكي يصبح مجلس النواب ممثلاً للإرادة الشعبية، هذه الوكالة، اذاً، لم تكن وكالة بمعناها الشرعي بل وكالة لكي يقوم مجلس النواب، وليس النائب وحده بممارسة الصلاحيات الاشتراعية في سبيل خدمة الشعب، ومن هنا يتبين أن هذه الوكالة الموصوفة بالوكالة النيابية أو الوكالة البرلمانية لا تنطوي على مدة محددة بل تنطوي على الإيجاب المترتب على النائب وبالتالي على البرلمان لأن يقوم بوظيفته خير قيام لمصلحة الشعب، مع الإشارة إلى أن تمديد مدة ولاية مجلس النواب لم يكن بدعة في القانون الدستوري إذ حدث هذا الأمر كثيراً في الدول الغربية نتيجة الحرب العالمية”.
المواقف المتفهمة
- نقيب المحامين في بيروت روجيه شيخاني: “هناك تفسيران في شأن تمديد ولاية مجلس النواب”.
التفسير الأول: ضيق ولا يسمح للمجلس بأن يمدد لنفسه مدة ولايته، لأن المادة 24 من الدستور تشير إلى وجوب انتخاب النواب وليس تعيينهم. ويعتبر هذا التفسير الضيق أن التمديد هو نوع من التضييق البعيد عن روح الدستور والبعيد عن رغبة الشعب أي القاعدة الانتخابية.
والتفسير الثاني: يستفاد من المادة 27 من الدستور أن النيابة هي نوع من الوكالة المحددة بالزمن والتي تحصر حقوق الوكيل و الموكل وواجباتهما، إلا أن المادة 27 تترك للوكيل حرية التصرف القانوني الكامل وحرية الاشتراع ولا تسمح للناخب بأن يقيد النائب بأي قيد أو شرط سابق. من كل ذلك يتضح انه يجب تفسير القانون بحكمة وعلى ضوء واقع الحال وإمكان تطبيقه، فرجل القانون هو مبدئياً مع التطبيق الضيق ويفضل دائماً عدم التوسع في التفسير، أما رجل الحكم - أي السلطة التنفيذية - فلا يمكنه دائماً التوقف عند هذه الرغبة ويجدر به السعي إلى تطبيق القانون على ضوء الوقائع التي يعيشها حكمه.
وخلص شيخاني إلى القول أنه أياً كان التفسير يجب سد الفراغ الدستوري قبل وقوعه وهذه هي رغبة النائب الأساسية.
المواقف المعارضة
- النائب مخايل ضاهر: “أنا ضد التمديد لأن المجلس كان نائماً طوال تسعة أشهر، لذلك لا يجوز التمديد للغياب وأعتبر أن المجلس كان في إمكانه أن يجعل جلساته مفتوحة منذ اندلاع هذه المحنة ويحمل السلطة الإجرائية مسؤولياتها ويضطرها الى الاستقالة بعد كل هذا الذي جرى أما وأنه لم يفعل فانه يشترك في المسؤولية و هو غير جدير بأن يمدد له”.
وقال النائب نديم سالم: “هذا الأمر راجع إلى الحكومة، فإذا وجدت أنها غير قادرة على إجراء الانتخابات النيابية فعليها أن تقدم مشروعاً بالتمديد إلى المجلس. وأنا غير مستعد للموافقة على مثل هذا المشروع إذا قدمه أي نائب لأن هذا من اختصاص السلطة التنفيذية”.
القانون كما اقر
أخيراً أقر قانون التمديد لمدة سنتين و28 يوماً بعدما كان مشروع الحكومة بالتمديد لسنة واحدة، إذ صدر القانون رقم 1/76 ومدد الولاية حتى تاريخ 30-6-1978. يبقى فارق أساسي بين التمديد الأول (في العام 1976) والتمديد الأخير (في العام 2013) فتمديد الأول كان بناء على مشروع قانون من الحكومة أما الأخير فبناء على اقتراح من النواب أنفسهم.
اترك تعليقا