أمير المؤمنين : سيرة الأمير عبد القادر وعصره - جون و. كيزر

لقد بذلت عائلة القادر الغالي والنفيس في سبيل تربية ابنٍ حَسَن الصقل ذي شخصية فذّة يقدّر لها التفوّق. حفظ الأمير عبد القادر القرآن عن ظهر قلب وتآلف مع تفسيراته وتدرّب على الفروسيّة وازداد شغفاً بالأحصنة. عقد عبد القادر قرانه في سنٍّ مبكّرة (15 عاماً) وقام بعد سنتين من زواجه بمرافقة والده إلى الحجّ في مكّة، وهي رحلة دامت سنتين.

في العام 1830، ومع بدء تراجع النفوذ التركي في المنطقة، قام الفرنسيون بشنّ غزو على الجزائر في الرابع عشر من حزيران. كانت المدينة، وفقاً لما يرويه كيزر، تحكم من قبل توازن معقّد من القوى المجتمعية، وكانت كل جماعة تحيا وفقاً لأعرافها وقوانينها الخاصّة: الأتراك والبرابرة واليهود والمسيحيون. هكذا تمكّن 6000 تركي فقط من حكم مساحة بكبر مساحة فرنسا. إلاّ أنّ الفرنسيين كان لديهم تكتيك آخر طبعاً، وننقل عن أحد الشهود وهو جندي فرنسي قوله: »لم يحصل أبداً، ولا حتى في زمن البرابرة، أنّ تمّ احتلال أي رقعة بمثل هذه الفوضى التي عمّت احتلال الجزائر.» نهب الفرنسيون المدينة وبدأ الحكّام الأتراك بالمغادرة وتحوّل التوازن الذي كان قائماً إلى فوضى عارمة.

لم يكن يسمح للأرستقراطية الدينية بالتسلّح تحت حكم الأتراك، ولكنّها ما لبثت أن استعادت نفوذها السياسي تحت الحكم الفرنسي. وحين طالب زعماء القبائل محيي الدين، والد الأمير عبد القادر، أن يكون سلطاناً عليهم، عهد الوالد بهذه المهمّة إلى ابنه، وفور تسلّم هذا الأخير منصبه الجديد، أعلن الجهاد وعمد إلى توحيد سبع قبائل لهذه الغاية. في العام 1837، عقد اتفاقية مع الفرنسسيين اعترفوا بموجبها بسلطته على معظم أرجاء المغرب، ولكن إخلال هؤلاء بالإتفاقية دفع بالأمير إلى شنّ هجوم عليهم عن طريق التعرّض للجنود الفرنسيين وتكبيدهم الهزيمة.

خَلُص الأمير إلى شروط الاستسلام مع الفرنسيين شرط أن يتاح له ممراً آمناً إلى مصر، خصوصاً بعد اضمحلال الدعم القبلي له ورضوخ القبائل المحلية لمشيئة الفرنسيين. وعلى الرغم من هذا الاتفاق، تمّ إلقاء القبض على الأمير عبد القادر وزجّه في سجن في فرنسا لمدّة أربع سنوات إلى جانب عدد من المقاتلين وعائلاتهم. وقد تمكّن الأمير من المحافظة على صبره واتّزانه طوال فترة سجنه ورفض تلّقي معاملة مميّزة عن سواه من السجناء كما أنّه استمرّ على ما هو عليه من مواظبةٍ وجديّة، ويقال أنّه كان يقرأ ترجمة الانجيل المقدّس. لقد كان للأمير أسلوباً خاصاً في التعاطي مع زوّاره ومعجبيه ولم يخفق يوماً في قدرته على التأثير بهم كسب إعجابهم وتقديرهم.

اترك تعليقا