ندوب العنف الجنسي على النساء والفتيات السوريات

وسط فوضى العنف التي تعمّ الداخل السوري والحدود، يبدو الحصول على أرقام دقيقة حول عدد ضحايا الاغتصاب والعنف القائم على نوع الجنس أمراً مستحيلاً. في دراسةٍ صادرة في العام 2012 بعنوان: النساء والفتيات السوريات يتفادين الموت ويواجهن تهديدات ومذلاّت مستمرّة، تسلّط لجنة الإنقاذ الدولية الضوء على حجم هذه المأساة من خلال نتائج جلسات نقاش تمّ إجراؤها مع اللاجئين السوريين في لبنان. وقد أفاد المستطلعون عن تعرّض النساء والفتيات السوريات إلى الإساءة الجنسية بالإضافة إلى أشكال أخرى من التعنيف كالتعذيب والقتل، وغالباً ما كانت هذه الجرائم ترتكب على مرأى العائلة بأسرها لدى اقتحام المقاتلين المنازل. وأورد المستطلعون أنّ المقاتلين كانوا يدخلون المنازل بحثاً عن النساء تحديداً بغية تهويل الرجال وإجبارهم على الإذعان، وهذا يعني أيضاً أنّ الأطفال كانوا شوهداً أيضاً على تعرّض أفراد عائلاتهم وأقاربهم للعنف والاغتصاب.

ما زالت هذه الحرب حتى اليوم تذهل المراقبين والمتابعين بمدى استهتارها بقدسيّة القيمة الانسانية، وقد صوّر المستطلعون السوريون توصيفاً مأساوياً لكيفية اغتصاب النساء وقتلهن ورميهن في الشوارع. لم تسلم المراهقات ولا حتى النساء الحبالى من الاعتداءات وما كان لتقاليد العائلات السورية إلا أن زادت الطين بلّة، فكان يتمّ تزويج الناجيات من الاغتصاب إلى أبناء عمومهن أو أخوالهن بغية الحفاظ على شرف العائلة وعدم تدنيس سمعتها أمّا بعضهنّ الآخر فكان يتعرّض لحملات من اللوم والإقصاء لوصمه العائلة بالعار.

والواقع أنّ هذه العوامل الثقافية تفاقم من حدّة المأساة لأنّها تعتّم على هذه الجرائم وتمنع الضحايا من الكلام عنها أو المطالبة بالعلاج والرعاية الصحية والنفسية. وعليه، فإن التبليغ عن حوادث العنف من شأنه استجرار المزيد من العنف، فتواجه النساء بالتالي خطر الحمل غير المرغوب به أو الأمراض المنقولة جنسياً من دون إمكانية اللجوء إلى العلاج. وعلى الرغم من أنّ الاغتصاب ليس صريحاً ومعلناً على حدّ السواء في صفوف اللاجئين، غالباً ما يتمّ تزويج الشابات السوريات قسراً أو إجبارهنّ على معاشرة لبنانيين وسوريين لقاء خدمات معيشية أساسية كالسكن على سبيل المثال.

بعيداً عن السوريات اللواتي يقعن فرائس للاغتصاب والتعنيف على مختلف أشكاله، فإن النساء المطمئنات في ظروف آمنة نسبياً هنّ أيضاً يفتقرن إلى الرعاية الصحية الملائمة، لأن النظام الصحي بأسره أصبح شبه غائب في سوريا. فمع انهيار القطاع الصحي وانقطاع الطرق أمام الإمدادات الطبية، باتت وسائل منع الحمل، ورعاية ما قبل الولادة وخدمات الإنجاب شبه معدومة. وقد أفادت منظمة الصحة العالمية عن ارتفاع في حالات الإجهاض الخطرة في حين قدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن يبلغ عدد النساء الحوامل في سورية وبين اللاجئين نحو 250 ألف حالة مع نهاية العام 2013.

إنّ استشراء العنف القائم على نوع الجنس، مقروناً بغياب الرعاية الصحية يلحق أضراراَ كبيرة بالصحة الإنجابية للنساء السوريات ويترتّب عنه ارتفاع في حالات الحمل غير المرغوب به في وقتٍ يعجز الكثيرون عن إعالة عائلاتهم. لذلك، ينبغي أنّ تتوسّع المساعدات الإنسانية التي تقدّم للنساء داخل سوريا وفي مخيمات اللاجئين لتشمل الفوط الصحية وحبوب منع الحمل. كما ينبغي توسيع حملات التوعية ضمن المخيّمات لحثّ الضحايا والعائلات إلى الخروج عن صمتهم والتبليغ عن الاعتداءات والإساءات التي اختبروها. 

اترك تعليقا