العمار ثمّ الانهيار

استفزّ انهيار الأبنية في الأشرفية وطبرجا وطرابلس والوضع المأساوي لجسر جلّ الديب منظمات المجتمع المدني والسياسيين لإعلاء صرختهم تحذيراً بالمخاطر المترتّبة عن إهمال المعايير الأساسية للسلامة العامة. وقد تمّ تقديم اقتراحاتٍ وتوصياتٍ عديدة منها قانون حماية الأبنية التراثية وتحميل البلديات مسؤولية متابعة وملاحقة مالكي المباني المهدّدة بالانهيار والضغط من أجل تعديل قانون الايجارات الصادر عام 1992 والذي يتيح للمستأجرين دفع نفس بدلات الايجار التي كانوا يدفعونها قبل الحرب وتطبيق قوانين البناء الحديثة. كما اقترح بعض النواب تأليف لجنة لمعاينة الأبنية القديمة.

لكنّ من غير الممكن دعم النمّو في قطاع البناء بمجرّد المداهنة والتأييد الكلامي، خصوصاً في ظلّ السياسات الحكومية المحدودة في هذا الإطار، والواقع أنّ الأزمة قد تفاقمت إلى حدٍّ خارجٍ عن السيطرة. أشارت دراسة لإدارة الإحصاء المركزي في العام 2004 إلى أنّ 478 من الأبنية مصنّفة كأبنية غير قابلة للسكن نظرًا لهشاشتها الناتجة عن للأضرار التي تكبّدتها خلال الحرب الأهلية، لكنّ هذه الأرقام لم تلقَ أذنًا صاغية، وتتفاقم المشكلة مع غياب القروض السكنية للفقراء.

وتستمر المشكلة في التفاقم إذ يقدّر أن عدد الأبنية التي تحترم معايير البناء المضادة للزلازل في لبنان لا يتخطى 20%، وكلفة حماية الأبنة القديمة منها تكاد تعادل كلفة البناء بحدّ ذاتها. بالرغم من أن هذا قد يؤدي إلى احتمال وقوع بعض الأزمات خصوصاً أن لبنان يقع على خطي الزلزال، إلا أن المشكلة الحقيقية ليست في الكوارث الطبيعية فخسب، فحتى في المناطق حيث يمكن التدخّل لتجنّب الانهيارات، أدّت اللا مبالاة وانعدام الوعي إلى خلق ثغرات كبيرة. تشير جريدة «الأخبار» إلى أنّه من بين أجهزة التفتيش الحكومية كلّها، هناك مفتّش واحد مسؤول عن مراقبة البناء في كافّة أنحاء لبنان، فلا عجب إذاً أن تتحوّل المباني القديمة إلى ما هي عليه اليوم.

بعد أيامٍ قليلة من انهيار مبى الأشرفية، صرّح مقرّر لجنة البلديات في نقابة المهندسين محمد بصبوص في مقابلةٍ تلفزيونية أنّه لا ينبغي إلقاء اللوم على البلديات، فهذه الأخيرة، برأيه، لا تملك الأجهزة اللازمة للمراقبة، وذلك في ضوء اقرار بأن هذه الكوارث ستستمر في الوقوع.

من المروّع التفكير بأنّنا بدأنا نفقد أرواحاً بريئة لمجرّد أننا لا نملك القدر الكافي ممن يتحملّون مسؤولياتهم، فهذه المشكلة يمكن اجتنابها بسهولة بمجرّد التأكد من الشروط الأساسية للسلامة العامة قبل منح الرخص، لكنّ تراكم التلكؤ على مرّ السنين بلغ ذروته إلى حدّ بتنا فيه على يقين أن الكارثة آتية لا محالة لكنّ المسألة هي مسألة وقت.

“المشكلة يمكن اجتنابها بسهولة بمجرّد التأكد من الشروط الأساسية للسلامة العامة قبل منح الرخص، لكنّ تراكم التلكؤ على مرّ السنين بلغ ذروته إلى حدّ بتنا فيه على يقين أن الكارثة آتية لا محالة لكنّ المسألة هي مسألة وقت“

اترك تعليقا