الحرب والفساد يهدّدان الإرث الثقافي في العراق

حتّى اليوم، تمّ اكتشاف 10% فقط من مدينة أور الأثرية التي تشكّل إحدى أبرز معالم الحضارة السومارية، ولا تزال معظم كنوزها دفينةً نظراً لنقص التمويل المخصّص لعمليات التنقيب. بالإضافة إلى ذلك، حدّت الحروب التي نشبت في العراق في العقود الأخيرة من إمكانية التنقيب، كما أنّها مهّدت الطريق وهيّأت المناخ الملائم لعمليات النهب والسرقة وحتّى العمليات العسكرية في هذه المواقع. أمّا اليوم، فقد تآكلت مدينة أور بمعظمها نتيجة العوامل المناخية، وعدم حفظ معالمها الأثرية والأنشطة العسكرية واستخدام المعدات الثقيلة على مقربةٍ منها. بالرغم من ذلك، لا تزال المدينة تحتضن أشهر الزّقورات1 في المنطقة، كما أن عمليات الترميم كانت قد بوشرت عام 2009 بالتعاون بين وزارة الثقافة العراقية وصندوق التراث العالمي.

على الرغم من اختلاف الأسباب، لا تختلف الصورة بشكلٍ كبير في منطقة نينوى الواقعة على ضفاف نهر دُجلة والتي يشاعُ أنها كانت أكبر المدن في العالم آنذاك. أما اليوم فهي مُدرجة ضمن المواقع الأثرية العالمية الاثني عشرة المهدّدة بالزوال، خصوصاً أن المدينة لم تسلم لا من النهب زمن الحرب، ولا من المشاريع العشوائية في زمن السلم، فمن المرجّح وجود أنابيب جوفية بالقرب من المدينة تعترض الكثير من الآثار التي لم يتم اكتشافها بعد.

لم ينجُ التراث العراقي من تأثيرات الغزو الأميركي، فقد انتهز السكان المحليون كما قوات التحالف في العراق غياب المراقبة في المتاحف والمواقع الأثرية وانتشرت أنباء عن نهب الآلاف من التحف من المتحف الوطني العراقي ما شكّل صدمةً للكثير من المراقبين حول العالم، من دون أن يحرّك الجنود ساكناً لتحسين أمن المواقع الأثرية في مناطقهم وأفادت الإدارة الأميركية فيما بعد أنها لم تكن قد وضعت خططاً لحماية هذه المؤسسة. أما متحف الفن الحديث، فقد خسر 8000 قطعة أثرية، واشتعلت النيران داخل أقدم الأسواق في بغداد عام 2005. ومن ضحايا الحرب أيضاً جامع سامراء الشهير الذي استخدمت مئذنته كمربضٍ للقنص من قبل الجنود الأميركيين، فتمّ قصفها من قبل العراقيين في محاولةٍ لاستهدافهم.

تتوسّع لائحة المواقع والآثار التي تأذّت خلال الغزو الأميركي للعراق لتشمل المساجد والمآذن والمكتبات والمحفوظات الوطنية والعالم الأثرية وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، قام الجنود الأميركيون والبولنديون بحفر خنادق بالقرب من بعض المواقع الأثرية كمدينة بابل.

إن القوانين الدولية كتلك التي نصّت في اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية تفرض على المستعمرين حماية الآثار ذات القيمة التاريخية في حال النزاع المسلّح، إلا أن الولايات المتّحدة وقوات التحالف بما فيها بريطانيا وأستراليا لم تصدّق على هذه الاتفاقية. والواقع أن مستشاري جورج بوش الثقافيين مارتين سوليفان، ريتشارد لانيير وغاري فيكان استقالوا احتجاجاً على عمليات النهب التي لم تحرّك إدارتهم ساكناً لمنعها.

مع التراجع النسبي في حدة النزاعات اليوم، عادت عمليات التنقيب من جديد لكنها مرتكزة بمعظمها في المناطق الشمالية من العراق لكونها الأكثر أماناً. إن اكتشاف الخبايا التراثية الدفينة في العراق قد يتيح أخيراً استغلال الإمكانيات السياحية لهذا البلد. وبالرغم من بناء شرطة لحماية الآثار وملاحقة الأنشطة غير القانونية، أدّى الفساد إلى إضعاف مكانتها وتقليص ميزانيتها وعدد موظفيها. فبعد الدمار الذي تخلّفه الحرب، عادةً ما يكون الاستثمار في الموارد النفطية، كونها الأكثر قدرة على تحريك عجلة المشاريع الإنمائية.

1 الزّقورة هي عبارة عن معابد مدرّجة

اترك تعليقا