راقصو الحبل - غبريال إيليا

تدور أحداث الكتاب في الفترة المتراوحة بين 1925 و1975، وتتناول الأوضاع المعيشية لليهود تحت حكم السلطنة العثمانية التي ضمّت يهود من إثنيات مختلفة، بالإضافة إلى يهود ناطقين بالعربية والتركية توزعوا في صيدا ودير القمر في لبنان، وفي الأوساط التجارية في سوريا. والجدير بالذكر أن هؤلاء قوبلوا بالترحيب من السلطان بايزيد الثاني لاعتقاده أنّهم أقلية تتمتّع بالمواطنية الصالحة.

أدّت التنظيمات العثمانية التي ترافقت مع تزايدٍ في الحركة التجارية في بيروت في أوائل القرن العشرين إلى إعادة تنظيم وسط المدينة. شأنهم شأن غيرهم من سكان بيروت، انتقل اليهود إلى أرباع مختلفة واستقروا في وادي أبو جميل وعاشوا فيها تحت حماية السلطنة العثمانية إلى حين سقوطها. عقب اندلاع الحرب، بدأ السوريون اليهود يتوافدون إلى بيروت هرباً من الاضطرابات السياسية، وباتت المدينة مقصداً لليهود من كافة الدول العربية.

تكرّس إيليا جزءاً من الكتاب للتحدث عن ثقافة اليهود، فتذكر أنّه في وقتٍ كانت مدارس الإرساليات تنتشر بكثرةٍ في لبنان، أسّست منظمة التحالف الاسرائيلي العالمي (AIU) الواقعة في فرنسا مدرسةً لها في لبنان، إلاّ أن معدّلات الالتحاق بالمدارس اليهودية لم ترتفع على الرغم من التزايد الملحوظ في أعداد اليهود في المدينة، نظراً لارتفاع أقساطها واختيار اليهود الالتحاق بمدارس مسيحية أخرى. لكنّ هذا مؤشّر ايجابي، كونه يظهر التفاعل الايجابي بين مختلف الجماعات الطائفية آنذاك. وتضيف إيليا أن تنامي تعاطف اليهود في مع الصهيونية بدأ في العشرينيات والثلاثينيات بعد أن كانت المؤسسات والجماعات اليهودية في بيروت بعيدةً كل البعد عن النظرة الصهيونية.

تحسّنت أحوال اليهود في لبنان في النصف الأول من القرن العشرين بفضل الجهود التي قام بها عددٌ من الشخصيات ورجال الأعمال، أمثال جوزيف فرحي، الذي استوحى من النموذج الأوروبي مقاربات لتحسين المؤسسات الدينية والتربوية والإدارية اليهودية، فعمد إلى بناء كنيس يهودي في وادي أبو جميل، كان يدعو إليه مسؤولين لبنانيين خلال العطل، كما حاول تخفيض رسوم التسجيل في مدرسة منظمة التحالف الاسرائيلي العالمي بغية استقطاب المزيد من الطلاب اليهود وأنشأ مجلساً للجالية اليهودية وتضاعفت أعداد اليهود على مرّ السنوات فارتفعت من 100 في بداية القرن العشرين إلى 3588 في إحصاء العام 1932، علماً أن المجتمع اليهودي توسّع لاحقاً ليشمل 6000.

بدأت الاضطرابات في الأربعينيات وبلغت أوجّها في نصفها الثاني، فأدرك المجتمع اليهودي ضرورة التزام الحرص الشديد للحفاظ على موقعه. فسعى المجلس إلى الحدّ من زيادة مناصري الصهيونية بين أعضائه في حينٍ قامت الحكومة بتعليق كافة نشاطات التحركات اليهودية الشابة. في العام 1950، دمّرت مدرسة AIU كلياً إثر انفجار قنبلة كانت قد زرعت داخلها، فباشر اليهود عندها بمغادرة لبنان باتجاه اسرائيل، لكن هجرتهم لم تتوسّع الا بعد العام 1967 مع تزايد عدد اللاجئين الفلسطينيين. 

اترك تعليقا