الصحة النفسية في لبنان : تحديات وعقبات

ما هي الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً في لبنان؟

تشير دراسة المعهد الطبي للأمراض النفسية العصبية (MIND) إلى أن 16.7 % من الأمراض النفسية مرتبط بالقلق وأنّ 12.6% مرتبط بالتقلبات المزاجية. بالإضافة على ذلك، يفيد الأستاذ في علم النفس العيادي إيلي كرم، بناءً على بحثه، إلى أنّ 10% من الشعب اللبناني يعاني من الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة (PTSD).

في السياق اللبناني، اتّضح وجود ترابط وثيق بين الأحداث المرتبطة بالحروب وبين انتشار الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة. فمع تكرر أعمال العنف بصورة دورية واقترانها بحالة من الغليان وعدم الاستقرار السياسي، كما النقص في الفرص الاقتصادية كلها عوامل تؤدي إلى تجديد حالات التوتر التي من شأنها مفاقمة الوضع النفسي للمواطنين اللبنانيين. وهكذا، يقع كل من القلق الاجتماعي والكآبة والاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة في طليعة الأمراض النفسية التي تخلّ توازن اللبنانيين.

ظروف الرعاية الصحية النفسية

إن عناصر نظام الرعاية الصحية النفسية في لبنان، كما هي عليه اليوم تبقى عاجزة عن أي معالجة جدية للأزمات النفسية المزمنة في لبنان. وفي سياقٍ متّصل، يأتي التزمت الثقافي والاجتماعي المحيط بالأمراض النفسية ليزيد الطين بلّة، فيعيق الناس من معالجة اضطراباتهم لا بل يمنعهم من الاعتراف بهذه الاضطرابات والتصالح مع ضرورة معالجتها. هذا كلّه، يترافق مع لا مبالاةٍ من جانب الأطباء النفسيين، وخير دليل على ذلك هو عددهم الضئيل المؤشر على عدم الاهتمام في هذا القطاع. وعليه، تشكّل المنشورات البحثية المرتبطة بالصحة النفسية 5% فقط من مجمل الأبحاث الصحية في لبنان، وما يتم توفيره من خدمات في إطار الرعاية الصحية النفسية يبقى مقتصراً على الأساسيات.

في لبنان حالياً ثلاث مستشفيات تعنى بالصحة النفسية والعقلية، بالإضافة إلى خمسة أقسام مختصة بالطب النفسي في مستشفيات أخرى. يضمّ أكبر هذه المستشفيات 1200 سرير ويبلغ معدّل بقاء المرضى فيه 279 يوماً في العام. 47% من المرضى الذين يدخلون هذه المراكز الاستشفائية يعانون من الفصام، 12% يعانون من تقلبات مزاجية، 10% هم من المدمنين، 9% لديهم اضطرابات في الشخصية، 3% يعانون من اضطرابات عصبية، في حين يشكو 19% من اضطرابات مختلفة (منظمة الصحة العالمية).

يفيد تقرير منظمة الصحة العالمية حول الصحة النفسية في لبنان للعام 2010 أن هناك طبيبين نفسيين لكل مئة ألف شخص في لبنان، بالإضافة إلى 42 سريراً في المستشفيات للعدد نفسه، 5% منها مخصصٌ للأطفال والمراهقين. ويشير التقرير نفسه إلى أن أغلبية الأطباء النفسيين يعملون في عيادات خاصة وليس في مستشفيات نفسية.

العوامل الاجتماعية والثقافية

يتفاعل الناس مع العوامل الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في شخصياتهم وبالتالي اختيارهم لطرق عيشهم بطرق مختلفة. وترتبط ردات الفعل على بعض الحوادث كالعنف أو السرقة أو الاغتصاب بمجموعة من الظروف من بينها حدّة الهجوم، وفترة الهجوم وتواتره، وطبعاً الصفات الشخصية للشخص موضع الهجوم. لهذا السبب، من المجازفة تحديد الاضطرابات أو الأمراض النفسية بالجوانب البيئية حصراً.

لكن هذا لا ينفي أن لبعض الظروف نوعاً من التأثير النفسي الواضح على الشخص المعني. على سبيل المثال، تلحق حوادث كالتهجير أو التعنيف الجسدي الشائعة في لبنان بعض التغييرات، كي لا نقول الكثير منها، على شخصية المعتدى عليهم. فقد شهدت الأعوام الخمسة عشر من الحرب الأهلية مقتل 200,000 شخص وفقدان 17000 آخرين. كما هُجّر العديد من اللبنانيين من بيوتهم لتفادي العنف والنزاعات.

تفيد خبيرة التنظيم المدني منى فواز أن عدد المهجّرين خلال الحرب الأهلية تراوح بين 700,000 و 900,000، في حينٍ فقد الكثيرون منازلهم بفعل الدمار والأضرار التي تكبّدتها في خضمّ النزاعات. ويبيّن الجدول التالي عدد المنازل المهدّمة في مختلف المناطق اللبنانية في نهاية الحرب، مع الإشارة إلى أنّ الجدول لا يعبّر بدقّة عن مدى الدمار وفقاً للأقضية أو القرى، إذ أن الشمال أو البقاع على سبيل المثال، لم يشهدا الدمار الذي شهده جبل لبنان، ولكن هناك قرى محدّدة أومناطق منهما دمّرت بكاملها.

عدد المنازل المدمّرة في الحرب حسب المناطق

 

 

المنطقة

منازل مدمّرة جزئياً

منازل مدمّرة كلياً

منازل متضرّرة

مجموع

%

جبل لبنان

6410

14778

4630

25818

57.35

الجنوب

4424

4845

3231

12500

27.77

بيروت

573

2576

344

3493

7.76

الشمال

673

1053

499

2225

4.94

البقاع

235

409

340

984

2.19

المجموع

12315

23661

9044

45020

100.0

%

27.35%

52.56%

20.09%

100.0%

 

المصدر: وزارة المهجّرين عام 1996 (تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تشمل فقط المنازل المسجّلة في الوزارة)

يرتبط التهجير أيضاً بمجموعةٍ من المشكلات الاجتماعية، كعدم القدرة على التأقلم والانخراط في المحيط الجديد، والتعرّض للاستبعاد والضغط العاطفي الناتج عن خسارة المرء لمنزله أو أعزائه. وقد تكرّرت موجات التهجير الداخلية مجدداً خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1996 وخلال حرب تموز عام 2006. فخلال عدوان 1996، قدّر برنامج الأمم المتحدة للتنمية عدد الأشخاص الذين غادروا منازلهم في الجنوب بين 400,000 و600,000. أما في 2006، فقد ارتفع عدد النازحين داخلياً إلى 750,000 في حين فرّ 250,000 آخرين إلى سوريا. وحتى بعد توقف القتال وعودة الهاربين ممّن عادوا، بقي الحذر من العدوان الاسرائيلي قائماً إلى جانب خطر الاضطرار على العيش بالقرب من 138,246 ذخيرة في محيطهم.

ولا تنتهي ويلات الحرب مع انتهاء التهجير، بل تتسلّل آثارها إلى أعمق أعماق ذاكرة الوطن عبر الجروح والإعاقات الجسدية الخطيرة التي تخلفّها ومشاعر الخوف والقلق التي تلازم العيش في محيطٍ عدواني ومحفوفٍ بالخضّات وعدم الاستقرار. كثيرة هي العائلات التي لا زالت تحاول تخطي وفاة أحد أفرادها في حينٍ لا يزال آخرون يعانون مخاضاً عسيراً لايجاد المفقودين من ذويهم، وهو سعيٌ لا يخلو من التأثيرات على الإطار الفكري لهؤلاء.

البطالة والهجرة

إن الوضع الاقتصادي الناجم عن سنوات طويلة من الحرب لا يمسّ حياة الأفراد فحسب بل يلقي بتأثيره على الوطن ككلّ. في الوقت الحالي، تقدّر نسب البطالة بنحو 10%، ما يشكّل مصدر إحباط وقلقٍ لدى الشبان اللبنانيين على وجه الخصوص، ويدفع بالكثيرين منهم إلى مغادرة البلاد بحثاُ عن مصادر أكبر للدخل في الخارج. كل هذا، جعل لبنان يشهد موجات متعددة من الهجرة على مرّ التاريخ. تفيد إحدى الدرسات التي أجرتها الشركة الدولية للمعلومات بأن متوسط عدد المهاجرين بين عامي 1991 و2000 قد بلغ 13,800 مهاجر سنوياً، أما اليوم، فيقدّر عدد حاملي الجنسية اللبنانية المقيمين في الخارج بنحو مليون لبناني.

يشير بحثٌ لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية بعنوان “الهجرة والتنمية البشرية: بيّنات من لبنان”، إلى أنّ 75% من الأشخاص بين 18 و 35 سنة أبدوا استعدادهم إلى عدم مغادرة لبنان في حال توفّر فرص العمل، في حينٍ عبّر 45% منهم عن أن الوضع الأمني في البلاد عاملٌ أساسيٌ في تحديد بقائهم أو مغادرتهم.

في هذا الإطار، يبرز جلياً الرابط بين عامل القلق الذي يرافق المرء في محيط عدواني وبين النزعة إلى اتخاذ القرار بالهجرة. فخلال الحرب اللبنانية على سبيل المثال، يقال إن 990,000 لبناني غادروا البلاد بحثاً عن حياةٍ أفضل، وكما هي الحال مع التهجير الداخلي، يرافق الهجرة بعض التوتر العاطفي الناتج عن الخوف من عدم القدرة على التكيّف والانخراط في المحيط الجديد.

النساء وسلامة الأطفال في لبنان

إن المسائل التي تؤثر في التطوّر النفسي للمرء، لا تقتصر على عوامل مرتبطة بالعنف والحروب، بل تتخطاها لتطال الكنف المنزلي والعائلي. ففي لبنان، كما في معظم الدول العربية، يبقى للعائلة الحقّ الحصري بتأديب الأولاد، نظراً لتقبّل مجتمعاتنا عامّةً لفكرة العنف كطريقةٍ لفرض وتعليم الطاعة. وفقاً لجمعية «كفى» اللبنانية، يتعرّض 40.8% من الأولاد إلى درجاتٍ مختلفة من العنف داخل منازلهم، في حين يعاني 64.9% من التعنيف النفسي.

أوردت وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان بأن عدد الإساءات التي سجّلت بحقّ أطفال قد بلغت 850 حالة منذ بداية العام 2012 وحتى شهر أيلول، لكنّ هذه الأرقام لا تعبّر فعلاً عن حقيقة الإساءات الموجودة لأن العائلات تخجل من التبليغ عنها خوفاً من الحرج أو لعدم يقينهم بما فيها من سوءٍ. تفيد جمعية «كفى» بأنّ 16% من الأطفال بين 8 و 11 عاماً يتعرَضون للتحرّش الجنسي وأنّ 55.8% من حالات التحرّش هذه تحدث داخل المنزل.

ولا يختلف الامر كثيراً مع النساء اللواتي لا زلن عرضةً للتعنيف المنزلي من قبل أزواجهنّ، إذ ترتفع نسبة النساء اللواتي اختبرن أحد أنواع الإساءة المنزلية خلال حياتهم إلى 75%.

المهدئات

في ظلّ الاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية المستمرة، من غير المفاجىء أن تتكاثر زيارات اللبنانيين إلى الصيدليات لشراء المهدئات أو مضادات القلق، أحياناً وفق وصفةٍ طبية وغالباً من دونها.

باتت عملية تشخيص الذات موضة العصر لدى اللبنانيين فهؤلاء ميالون إلى الإمساك بزمام الأمور بأنفسهم عوضاً عن تضييع الوقت والمال للقيام بزيارة الطبيب ونيل الوصفة الطبية الملائمة لحالتهم. خلافاً للدول الغربية والأوروبية، لا يزال لبنان وللأسف متهاوناً في تطبيق القوانين والسياسات التي من شأنها مراقبة وتنظيم الممارسات الطبية وعمليات بيع الأدوية.

في هذه الإطار، كشفت الأرقام الصادرة عن نقابة الصيادلة في لبنان أن عدد المهدئات التي استهلكها اللبنانيون في العام 2011 بلغ نحو مليون بالإضافة إلى 642000 حبّة مضادة للكآبة، وهي أرقامٌ مقلقة تنذر بخطورة الوضع وتدعو إلى ضرورة التصرف لاستدراك المزيد من التدهور في الصحة النفسية.

محيطٌ زاخرٌ بالتحديات

إن التعرّض الدائم لمواقف مهلكةٍ للأعصاب ليست صفةٍ ملازمةً للبنان فحسب، إلا أنها تتخّذ نطاقاً أوسع في بلادنا. وما الاغتيالات (صفحة 11) وتصاعد الجريمة (صفحة 15) ومشاكل العمالة الأجنبية (صفحة 17) والدعارة (صفحة 19) سوى مؤشرات قد تؤكّد المدى الذي بلغه الاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة. ففي حينٍ تبدو الضريبة على الوضع النفسي زهيدةً مقابل الخسارات المادية الهائلة التي يتكبدّها الوضعان الاقتصادي والأمني، لا بدّ من التنبّه إلى أن الصحّة النفسية والاستقرار العاطفي عاملان جوهريان في نمو المرء وتطورّه. لذلك، وانطلاقاً من وعينا لأهمية الصحة النفسية، لا بدّ من المباشرة بتطبيق سياسة تشجّع الرعاية الصحية النفسية بصورة جدية ومدروسة، كما ينبغي على المؤسسات التربوية نشر الوعي حول هذه المسألة وتعزير حضورها وأهميتها بين الأجيال القادمة.

 

توفير الرعاية الصحية النفسية في لبنان

حظي نظام الرعاية الصحية في لبنان بالكثير من المديح والإشادة لاعتباره الأفضل والأكثر تقدّماً في المنطقة من حيث المؤسسات والأطباء، إلا أنّ هذا النظام أخفق في معالجة موضوعٍ أساسيٍ من غير المنطقي غضّ الطرف عنه في ظلّ الفوضى الاجتماعية والسياسية التي تعمّ لبنان وهو موضوع الصحة النفسية الذي نادراً ما نسمع به بالرغم مما لسنوات الحرب والأزمات الاقتصادية من تداعياتٍ عليه. والواقع أنّ عدد الأطباء النفسيين في لبنان خجولٌ نسبياً كما أن الأموال الحكومية التي تُرصَد لهذه الغاية هي شبه معدومة. كلّ هذا من شأنه تعزيز العوامل التي تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات النفسية من دون توفّر الخدمات اللازمة لمعالجتها.

أظهرت الدراسات أن الاضطرابات النفسية رائجةٌ في لبنان على عكس ما قد يعتقده البعض، أما أبرز هذه الاضطرابات فهي الكآبة والاضطراب العصبي والقلق النفسي ما بعد الصدمة. في دراسةٍ أجريت في أوائل التسعينيات، أي عقب انتهاء الحرب الأهلية، تبيّن أنّ 96% من الأولاد بين 3 و16 سنة قد اختبروا تجربةً أليمةً على الأقل خلال حياتهم (حسب شاهين وشمالي، 2009). أما منظّمة الصحة العالمية، فقد لاحظت في دراسةٍ حول الصحة النفسية أجرتها عام 2006 قبل حرب تموز أن 49% من السكان قد عايشوا تجارب أليمة مرتبطة بالحروب والنزاعات وأن 17% آخرين يعانون من اضطرابات نفسية. يشير الطبيب النفسي اللبناني دكتور إيلي كرم بناءً على دراسةٍ أجراها عام 2008 إلى أن الاضطرابات المزاجية في لبنان تدوم أكثر بمرّةٍ ونصف من تلك المسجّلة في العراق (موقع The Lancet).

تبيّن وجود ارتباط مباشر بين اندلاع الحروب والنزاعات المسلّحة بصورة متكرّرة والحالة النفسية للسكان، وقد أفادت نقابة الصيادلة في لبنان عام 2011 أن أكثر الأدوية التي بيعت خلال العام في لبنان كانت مهدئات الأعصاب ومضادات الاكتئاب. وبالرغم من أن الحروب عادةً ما تكون عرضية، تظهر العوامل الحياتية كالبطالة والهجرة، ومستوى المعيشة المتردّي، والتضخم وغيرها الكثير لمفاقمة المشكلة النفسية في لبنان إن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

إن انتشار الاضطرابات النفسية في لبنان متلازمٌ مع عجز النظام الصحي عن استيعاب هذه الاضطرابات ومعالجتها. في القطاع العام على سبيل المثال، ما من سياسةٍ خاصّة بتوفير الرعاية الصحية النفسية وما من قسمٍ أو دائرةٍ في وزارة الصحة العامة تعنى بمسائل الصحة النفسية، كما أنّه لا يوجد أية إجراءات دقيقة لإحالة المرضى من الرعاية الصحية العامة إلى الرعاية الصحية النفسية. تصرف الحكومة 9.5% من إنفاقها على الصحة. ويشير أطلس الصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية أنّ 4.8% فقط من هذه المخصّصات يصرف على الصحة النفسية مع العلم أن 54.17% منها يكون لصيانة المستشفيات النفسية. هذا معناه أن ما يتبقّى يعدّ زهيداً جداً لاستثماره في تطوير الطاقات البشرية في هذا المجال وتدريب الأخصائيين للاستجابة لحاجات المرضى النفسيين كما ينبغي. يضيف الأطلس إلى أنّه هنالك 1.41 طبيب نفسي و2.12 معالج نفسي لكل 100 ألف لبناني. والجدير بالذكر أن عدد الأطباء النفسيين المسجلين في جمعية الأطباء النفسيين اللبنانية كان 51 لدى كتابة هذا المقال.

يلجأ معظم المرضى النفسيين إلى الرعاية النفسية الخاصة، ومع هذا يبقى عدد الاختصاصيين في هذا المجال منخفضاً حتى في القطاع الخاص، ناهيك عن كلفة العلاج المرتفعة. لا تغطي شركات التأمين الخاصة نفقات العلاج النفسي في لبنان، أما صندوق الضمان الاجتماعي، فبالرغم من تغطيته نفقات العلاج النفسي لا يزال العديد من المستشفيات لا توافق عليه ما يعني أن التغطية لا تشمل قاصدي هذه المستشفيات وعلى المرضى تكبّد الكلفة بنفسهم. عليه، قدّرت منظمة الصحة العالمية عام 2011 أنّ 70% من المرضى النفسيين لا يتلقون العلاج.

بالإضافة إلى ثغرات القطاع الصحي، يؤدي النقص في الوعي لدى المرضى إلى إعاقة إمكانية تلقيهم للعلاج وهذا مرتبطٌ بشكلٍ أساسي بعجز المريض عن ملاحظة أو اكتشاف العوارض التي تنذر باضطراب نفسي. وحتّى حين يدرك المريض ويسلّم بأنّه بحاجةٍ للعلاج، تتدخّل عوامل ثقافية واجتماعية لتمنعه من اللجوء إلى أخصائيين، وتكون هذه العوامل مرتبطة بالخوف من وصمة العار خصوصاً أن مفهوم مجتمعاتنا العربية للاضطرابات النفسية مقترنٌ دوماً بالسلبية والجنون.

من المفاجىء أن لا نلحظ في بلدٍ عانى الأمرّين من الويلات والحروب الاهتمام اللازم بالصحة النفسية، لذلك لا بدّ من نظامٍ شاملٍ ومتكامل لمعالجة ثغرات هذا القطاع. على مستوى السياسات، ينبغي توجيه التمويل لتحفيز الأخصائيين النفسيين وإطلاق حملات توعية نفسية على نطاقٍ واسع. أمّا على مستوى المجتمع، فينبغي أن تبدأ حملات التوعية في سنٍّ مبكّرة في المدارس وتتوسّع لتشمل الأجيال الأكبر سنّاً، فالتمويل يبقى عقيماً ما لم يترافق مع حملاتٍ تحرّر الناس من المفاهيم المغروسة في أذهانهم حول الاضطرابات النفسية. 

اترك تعليقا