حدث في مثل هذا الشهر في الجمهورية العراقية-سجّل التاريخ ثورة رشيد عالي الكيلاني في نيسان 1941 من العراق ضد الاحتلال البريطاني

في المعسكر المقابل، تزعمّ رئيس الأركان العامة حسين فوزي معارضةً برلمانيةً وسياسيةً طامحة من خلال تطلعاتها الوطنية والقومية لإعادة إعمار العراق وتعميق استقلاله بالابتعاد عن المعاهدات التي رأوا فيها تكبيلاً بعجلة المصالح البريطانية؛ فتشكّلت من عدد من قادة الجيش وبعض الأحزاب الوطنية بزعامة رئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني. أخذ الصراع السياسي بين التيارين بالاحتدام وكلّف الوصي عبد الأله حينها، نوري السعيد بتشكيل الوزارة الجديدة، فقام بالانتقام من خصومه عبر إقالة حسين فوزي والقادة العسكريين المناصرين له، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم نقمة الجماهير والتيارات الوطنية والقومية التواقة للخروج من الهيمنة البريطانية المتسلّطة على الوزارات، الاقتصاد، العملة والنفط.

انهارت سمعة نوري السعيد وسط الجماهير الغاضبة، فلجأ الوصي عبد الإله بإقالة الوزارة كخطوة لتهدئة الوضع وعيّن الكيلاني المقرّب من الجميع كونه كان ينتمي لنفس المدرسة الوطنية للملك غازي قبل مصرعه في حادث سيارة غامض ورئيساً لديوانه وكاتم أسراره. لاحتواء الوضع، قام رشيد عالي باشا بتشكيل «الائتلاف الوطني» من كل من نوري السعيد بمنصب وزير الخارجية إضافة لعدد من كبار الزعامات السياسية والعسكرية من كلا التيارين المتصارعين ومع تطور العمليات العسكرية في أوروبا والهزائم التي مني بها الحلفاء بين العامي 1940 و1941 واحتلال ألمانيا لفرنسا ودخول ايطاليا الحرب مع ألمانيا، تعالت الصيحات المطالبة بإنهاء الوجود البريطاني في العراق وإلغاء معاهدة 1930.

دقت بريطانيا ناقوس الخطر من فقدان زمام هيمنتها على العراق وبالتالي خسارتها للكثير من المصالح الإستراتيجية والنفطية التي بذلت جهوداً للهيمنة عليها، فعمدت في تموز 1940 على مطالبة الحكومة بفتح القواعد العراقية وتسخير وسائل النقل للقوات البريطانية الآتية من الهند والخليج العربي عبر الأراضي العراقية لدعم القوات في الجبهة الأوروبية تنفيذا لبنود المعاهدة، وبعد جدل طويل في البرلمان بين أطراف الكيلاني من جهة وكتلة نوري السعيد من الجهة الأخرى، قررت الحكومة تبني مواقف عقلانية متوازنة من خلال الموافقة على تنفيذ البنود الخاصة فقط بمرور القوات البريطانية دون دخول العراق طرفا في الحرب.

أخذت القوات البريطانية والوصي عبد الإله بتصعيد مطالبهم بضرورة استقالة حكومة رشيد عالي الكيلاني وبعد محاولات عدّة وجرّاء الوضع الحساس، قرر الكيلاني باشا تقديم استقالته حقناً للدماء وتجنيب البلد المزيد من الفرقة والتوتر وتشكلت الوزارة الجديدة على يد طه الهاشمي المعروف بوطنيته ونزعته القومية ولكن في مستهل عمله في الوزارة واجه قائمة طلبات الوصي عبد الإله المتمثلة بسحق المعارضين للسياسة البريطانية وبعد أن كشف النقاب عن الخطة سارع رشيد عالي الكيلاني من موقع المعارضة بالاتفاق مع رئيس الأركان العامة بالوكالة للإطاحة بالوصي والحكومة، فكانت الثورة في نيسان 1941...

أحاط العسكر بالقصر الملكي باسطاً نفوذه على بغداد بتأييد جماهيري منقطع النظير وأُجبر طه الهاشمي على تقديم استقالته، فهرب معارضو رشيد عالي الكيلاني إلى الأردن أما الوصي عبد الإله فنجح بالفرار إلى البصرة جراء السخط والأجواء الملتهبة حيث تحتم على بريطانيا تهريبه بالمدمرة «فالمون» إلى الأردن لتأمين نجاته؛ وعندما أضحى العراق أمام حالة فراغ دستوري، أخذ الكيلاني زمام المبادرة وشكل «حكومة الإنقاذ الوطني» المؤقتة لمعالجة القضايا الضرورية والطارئة حفاظا على وحدة البلاد، محمّلةً الوصي على العرش مسؤولية الأوضاع المتفاقمة في البلاد، فأقالته بعد هروبه ونصّبت أحد أقارب الملك وهو الشريف شرف بدلاً منه سامحة وتشكّلت الوزارة الجديدة من الشخصيات الوطنية المناهضة للهيمنة البريطانية.

بريطانيا من ناحيتها امتنعت عن الاعتراف بالوزارة الجديدة، وبدلا عن ذلك صعدت الموقف بادخال قوات عسكرية إضافية إلى العراق هادفة لإعادة الوصي على العرش ونوري السعيد، وبهذا أُعلنت الحرب على بريطانيا من قبل قادة ثورة رشيد عالي الكيلاني في أيار 1941 التي أسفرت عن انسحاب الحكومة ولجوء الكيلاني إلى ايطاليا ومنها إلى المانيا ليبدأ من هناك صفحة جديدة من الكفاح ضد الاحتلال، وهكذا وجد الكيلاني نفسه مع المحور حيث خصص هتلر له محطة إذاعة عربية من برلين «حيوا العرب» ونشطت الدعوات لإحداث ثورات في العالم العربي أسوة بالثورة التي قادها في العراق والتي تعتبر من أولى الثورات الوطنية والتحررية ضد المحتل وحلفائه والتي انتهت فريسة الصراع الدولي. 

اترك تعليقا