السفرة إلى أميركا
وأبحرت السفينة من ميناء بيروت. وكان توقفها الأول في يافا حيث كان في انتظارها جمهور غفير من الشبان والشابات اليهود، قاصدين الاصطياف في رومانيا. وسألنا: أين سينام هذا الجمهور، وسائر الغرف محجوزة، قالوا على ظهر السفينة، والأكل على ظهر السفينة. وأقلعت المحروسة روما بنا ليلاً إلى ميناء أزمير في تركيا. البحر هادئ والهواء عليل والرفقة ممتعة: موسيقى ورقص وغناء. ولَستُ أعلم السبب في تحاب ركاب أية باخرة كانت، فكأنّ البحر العظيم يضمّ الإنسان إلى أخيه الإنسان بوثاق من المحبة والصداقة. وكم تدمع عين عند تفرّق الشمل، وعندما يبدأ المسافرون بمغادرة السفينة واحداً بعد آخر.
وقالوا لنا: إننا سنبقى يوماً في أزمير، وقد يسمح لكم البوليس بالنزول إلى البرّ. وأزمير عندنا في جبل لبنان مشهورة بالتين المجفف. ومن أزمير سارت بنا السفينة إلى القسطنطينية، عاصمة دولتنا العلية، واسمها كان يخيف الناس في أثناء الحرب العالميّة. وعبرنا بحر مرمرة إلى المضايق، فإلى القسطنطينية. وقالوا لنا: لديكم يوم كامل لمشاهدة المدينة. وبعد تجوالنا ساعات أردنا الراحة، وبعضنا طلب القهوة، فقيل لنا: إلى يلدز . وهذا اسم قصر كان يلقي الرعب في النفوس، إذ إنه عندما كان السلطان يستدعي أحداً من الرعية الى زيارته في يلدز، كان المسكين يستقر به المكان في قاع البوسفور. هذا ما كان قد علق بذهننا عند ذكر القصر. ولكن القصر تحول إلى مقهى يعج بالسياح! سبحان من يغير ولا يتغيّر!
اترك تعليقا