زواج القاصرات بين الشرع والقانون

نشرت صحيفة السفير في عددها ليوم الأربعاء(18/12/2013) مقالة نشرتها مجلة الشهرية في عددها الصادر في شهر كانون الأول 2013 حول موضوع زواج القاصرات، وحيث أن هذا الأمر مثار دعوات للحد من هذا الزواج وأن البعض يفترض أن الشرع لا يمنع هذا النوع من الزواج، كان لا بد من هذه المقالة لتوضيح حقيقة الأمر لما لهذا الموضوع من مشاكل اجتماعية ونفسية أحياناً، خصوصاً أن البعض، كما في المقالة، يستند إلى فعل رسول الله(ص) في زواجه من السيدة عائشة(رض) حيث كان لها من العمر تسع سنوات كما تقول الرواية التاريخية.

من الناحية الشرعية لا يوجد نصوص شرعية صريحة حول السنَّ المناسب للزواج، وهذا أمر طبيعي، لأن موضوع الزواج خاضع للأعراف والتقاليد التي تختلف من زمان إلى زمان، وخاضع أيضاً للظروف الشخصية والاجتماعية والمالية أيضاً لكل فرد، لذا ليس من المعقول تحديد عمر معين للزواج، بحيث يخضع له كل الناس في كل عصر وزمان، فهذا أمر خارج عن الاستطاعة.

أما في قضية تزوج النبي محمد(ص) من السيدة عائشة وهي عمر التسع سنوات، هذه الرواية التاريخية المشهورة والمعروفة، بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها، يمكن القول إنها أمر شخصي خاص بالنبي(ص) وليس من الضروري أن يقوم به كل الناس، وقضية أن يكون للنبي أحكامه الخاصة لا تلزم الآخرين أمر موجود ومتفق عليه، فمثلاً قضية صلاة الليل فهي كانت واجبة على النبي فقط وليست واجبة على بقية المسلمين، قال الله تعالى في خطابه للنبي” ومن الليل فتهجد له نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً”. أيضاً على المستوى الشخصي تقول الروايات التاريخية أن النبي (ص) كان شعره طويلاً يصل إلى شحمة أذنه(أي الجزء اللين في أسفل الأذن)، فهذا كان المتعارف بين الناس كلهم في ذلك الوقت،أما في أيامنا هذه فإن إطالة الشعر للرجل ليس امراً متعارفاً. بل قد يكون مستهجناً عند البعض، فلا يصح القول إنه من الأفضل هو إطالة الشعر، لأنه لم يعد أمراً متعارفاً وقضية تزوجه من السيدة عائشة في هذا السن المبكرة لها علاقة بما هو المتعارف في زمانهم، الأمر الذي لم يعد هذا العرف موجوداً حتى في أوساط بعض المتدينين، فإن من النادر أن تجد عائلة تزوج ولدها أو ابنتها في سن مبكرة، فهم يعتبرون الزواج في هذه الأيام مسؤولية، مسؤولية بيت وأولاد وتربية وغير ذلك مما يحتاجه البيت، مسؤولية تقع على عاتق الشاب والفتاة، وهذه تحتاج إلى خبرة ورشد، وهذه الخبرة وهذا الرشد يبدآن بالظهور في سن الثامنة عشرة.

وعليه لا مانع من الناحية الشرعية تحديد سن الزواج بعمر الرشد الذي يحدده القانون وهو سن الثمانية عشرة، ففي هذه الحالة يكون الزواج نابعاً من اختيار الطرفين، خصوصاً البنت فلا تشعر في يوم من الأيام وبعد مرور الزمان أنه لم يكن لها الخيار في هذا الزواج وأن أهلها هم الذين زوجوها، ولم تكن تدرك رغباتها الحقيقية، وهذا ما لمسته شخصياً من خلال ما تقوله لي بعض النساء المتزوجات باكراً، حيث يشعرن بعدم الراحة في هذا الزواج لأن الأهل كان لهم الدور الأول والأخير لأنها كانت في عمر الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة.

تبقى كلمة أخيرة حول إذن ولي الأمر( غالباً ما يكون والد الفتاة ) في زواج الفتاة، سواء كانت قاصرة أم راشدة، وبغض النظر عن الفتاوى في هذا الخصوص التي قد يجيز بعضها حصول الزواج بدون إذن ولي الأمر، فإن هذه الفتاوى غير معمول بها في المحاكم الشرعية، وهذا إجراء قانوني سليم له علاقة بتنظيم شؤون العائلة والأسرة، فالمحكمة الشرعية تشترط وجود الولي لعقد الزواج أو تثبيت هذا الزواج، ومع عدم وجود الولي أو حضوره لا يتم تسجيل هذا الزواج، وبالتالي لا يمكن إصدار وثيقة زواج ولا يستطيع إصدار وثائق ثبوتية من الدوائر الرسمية، فلا يستطيع لاحقاً إصدار بطاقات هوية للأولاد مع ما يترتب على ذلك من مفاسد تبقى مدى الحياة، لذلك القول بإمكانية الزواج من دون إذن الولي ليس له ما يبرره من الناحية الشرعية والقانونية . 

اترك تعليقا