قانون الإثراء غير المشروع يحمي الفساد

توفر الكهرباء على مدار الساعة، وتوفر المياه، وتحسين خدمات الطبابة والتعليم، وإنشاء شبكات للنقل العام، وتوفير فرص العمل، وغيرها من الأمور تشكِّل أولويات لدى المواطنين ويطالبون العهد والحكومة الجديدين إعطاءها الأولوية والاهتمام المناسب. لكن هناك أولوية أساسية لدى المواطنين وهي مكافحة الفساد الذي يتفشى في كل مفاصل الدولة، وأصبح دفع الرشوة والعمولة طريقة ووسيلة إلزامية لإنجاز المعاملات. ويعتبر قانون الإثراء غير المشروع الذي يحصل عليه الموظف ركنًا أساسيًا في خطة مكافحة الفساد، لكن القانون الحالي للإثراء غير المشروع يحمي الفساد ويمنع ملاحقة الموظفين الفاسدين.  

القانون القديم:

صدر في 18 نيسان 1953 المرسوم الإشتراعي رقم 38 (قانون الإثراء غير المشروع) وعرَّف الإثراء غير المشروع بأنَّه الإثراء الذي يحصل عليه الموظَّف والقائم بخدمة عامة أو من ينتسب إليهما برابطة القرابة أو المصاهرة أو الشراكة أو الخدمة الحالية أو السابقة، بالرشوة أو صرف النفوذ أو استثمار الوظيفة او العمل الموكل إليهما، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة وإن لم تشكل جرمًا، بالإضافة إلى حالات أخرى.

ونصَّت المادة 4 على تشكيل لجنة من 3 قضاة للقيام بالتحقيق في الإثراء غير المشروع (شكَّلت اللجنة حينها برئاسة جورج سيوفي رئيس غرفة التمييز وعضوية كل من فريد الدحداح، رئيس محكمة الاستئناف في لبنان الشمالي، وشوكت المنلا رئيس محكمة الاستئناف في جبل لبنان). وأجاز القانون للنيابة العامة ولكل شخص متضرِّر أن يقدِّم للجنة شكوى عن الإثراء غير المشروع، وفي حال تبيَّن للجنة أنَّ الشكوى تبدو جدية كلفت الشخص المطعون في إثرائه بيان مشروعية هذا الإثراء. وقرارات اللجنة لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة.

كما صدر في 14 نيسان 1954 قانون يتعلق بالتصاريح المطلوبة من الموظفين والقائمين بخدمة عامة تقدمها عن ثرواتهم، بحيث فرض أن يقدَّم هذا التصريح في خلال 8 أيام من تسلم العمل. أمَّا من هم في العمل الحكومي، فيتم تقديم التصريح في خلال شهرين من تاريخ صدور القانون. كذلك، حدَّد القانون المراجع التي تودع لديها التصاريح التي تبقى سرية إلا في حالة وقوع شبهة عندها تقوم اللجنة القضائية بالتدقيق في التصاريح.

القانون الجديد:
لم يتم العمل بالقانونين القديمين، وصدر القانون رقم 154 بتاريخ 27 كانون الأول 1999 الذي ألغى القانونين السابقين واعتمد نصوصًا جديدة تستوحي روحية النصوص الملغاة مع توسع في تفسير بعض النصوص وإضافة نصوص أخرى.

وحدد بالتفصيل الجهات التي تودع لديها التصاريح مثلًا تودع رئاسة المجلس الدستوري التصاريح  لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، الوزراء والنواب على أن يقدم هؤلاء التصاريح في خلال 3 أشهر من تعيينهم أو انتخابهم وبعد انتهاء ولايتهم  بـ 3 أشهر.

أما في القانون السابق، فكانوا يودعون تصاريحهم لدى أمانة سر مجالس الوزراء. وكان عدم التفصيل في وضع التصاريح في القانون السابق أحد الأسباب التي عطَّلت العمل به. لكن الغرابة في القانون الجديد هو نص المادتين 10 و 15 منه.

المادة 10: «لكل متضرر أن يقدم شكوى خطية موقَّعة منه للنيابة العامة أو مباشرة لقاضي التحقيق الأول في بيروت، وعلى الشاكي أن يقدم كفالة مصرفية مقدارها 25 مليون ليرة لبنانية.

المادة 15: «اذا تقرر منع المحاكمة عن المشكو منه أو إبطال التعقبات بحقه فللمرجع المختص أن يقرر تغريم الشاكي السيّىء النيّة بمبلغ لا يقل عن 200 مليون ليرة، وبالسجن من ثلاثة أشهر كحد أدنى إلى سنة بقرار نافذ على أصله، كما له أن يقرر إلزام الشاكي بناءً على طلب المشكو ضده بدفع تعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء تقديم الشكوى، ويبت المرجع المختص بالتعويض حتى بعد صدور القرار بمنع المحاكمة عن المشكو ضده أو إبطال التعقبات بحقه.

هذه الإضافة إلى القانون الجديد عطلته وجعلته غير قابل للتطبيق لأنَّه فرض قيودًا وعوائق تحول دون تقديم شكوى بحق من أثرى إثراءً غير مشروع.


واليوم بعد مرور نحو 18 عامًا على صدور القانون لم تُقدَّم أية دعوى إثراء غير مشروع بحق أحد من الموظفين في الدولة أو الوزراء أو النواب بالرغم من أنَّ كثيرًا من مظاهر الإثراء التي تظهر على القائمين بخدمة عامة ناتجة عن إثراء غير مشروع في معظم الأحيان. لكن من يجرؤ على تقديم شكوى؟ ما نفذ من  القانون هو فقط الحيّز المتعلق باعتبار بعض أعضاء المجالس البلدية مستقيلين لأنهم لم يقدموا التصاريح المطلوبة منهم. وهذا الإجراء لم يحصل إلَّا بناءً على إخبار.

من هنا، إن تعديل القانون وإلغاء هذه العوائق والقيود بل وتشجيع اللبنانيين ومنحهم جوائز في حال صحة الشكوى هي المدماك الأول في خطة مكافحة الفساد إذا كانت هناك جدية في استئصال هذه الآفة .

 

اترك تعليقا