كتاب“هم” عن تاريخ “نا”

أو من يصحح امتحانات طلاب الـ IC  أسعد أبو خليل 1 أ و إيغور ليبرمان؟ 2

 

فجأة، ولسبب ما، أثارت بعض الصحف في لبنان مسألة مهمة تتعلق بكتاب تاريخ العالم الحديث (Modern World History) وتحديداً حول بضع صفحات تحت عنوان Hunting for Terrorists  وأكثر تحديداً حول أسطر يُذكر فيها أنّ حزب الله وحماس من المنظمات الإرهابية. وفجأة أيضاً صمت الجميع، فماذا جرى؟

 

إنّ الكتاب يُدرّس في الـ IC منذ سنة 2003 ولم تعتبر لجنة الأهل ولا الأهل ولا أحداً من الطلاب أو الأساتذة (طبعاً لا حاجة لذكر وزارة التربية) أنّ المسألة التي أثيرت مؤخراً مهمة. ربما لأننا لا نقرأ أو ربما لأننا قرأنا ووافقنا على ما كتبوا أو لأننا ببساطة غير معنيين وغير مكترثين، أو لأننا اكتفينا بكتابٍ موجود مقابل فقدان كتاب تاريخ آخر. ولقد سارعت إدارة الـ IC  بالقول أنها “لصقت الصفحات” المشكو منها أو أنها أمرت الطلاب “بتمزيقها”. وهذا يُذكّر بما فعلته ملكة انكلترا ماري الأولى في العام 1554 حين أحرقت كتاب “تاريخ ايطاليا” بعد أن أعدمت وليام توماس، كاتب هذا الكتاب. وكذلك بحرق كتب توماس هوبز في العام 1683 في جامعة أوكسفورد. ويذكر أيضاً بالعام 1988 حين قام البعض بحرق “آيات شيطانية” في بعض مدن أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك بحزب شاس الإسرائيلي حين أحرق العهد الجديد في أيار 2008. ولكن هناك بعض الفوارق: أولاً أنّ الـIC  لم تتلف الكتاب بالكامل بل تم الاكتفاء بإلصاق أو تمزيق ما هو غير مرغوب فيه وثانياً أنّ المسألة لم ترتبط بملك أو كنيسة بل بالأمن العام وثالثاً أنّ الأمر عولج بالتي هي أحسن (لا مين شاف ولا مين دري) وهدأت العاصفة وارتاح الجميع وما من حرق ولا من يحرقون بل لصق ومزق.

فالإعلام في لبنان، وبشكلٍ خاص “السفير” و”الأخبار”، تعاطى مع الموضوع بشكلٍ محدد ومرتبط بتوصيف الإرهاب واكتفت الـ Daily Star بما ذكرته الـ Associated Press:

“مدرسة رائدة أُجبرت على نزع صفحات من كتاب تاريخ قيل أنه يصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية... ويقول جونسون :.... أن ليس للمدرسة موقف سياسي خاص ولا تدرِّس النزاع العربي الإسرائيلي...؟. ترى لماذا لم يتجشم المحرر هنا قراءة الكتاب بدل الاكتفاء بكلمة “قيل”.

إذاً نضع رأسنا في الرمل. كتاب قابل للطعن منهجياً، لكننا نكتفي بنزع عدة صفحات منه.

 مدرسة الـ IC في لبنان من العام 1936 “لكننا لا ندرِّس النزاع العربي الإسرائيلي”. لجنة الأهل لا تعلّق على الموضوع، لكننا في حرب تموز 2006 كنا نركض إلى الخارج مفتشين عن مدارس بديلة لأولادنا لأن وزير دفاع إسرائيل هدد بأن لا يبقي حجراً على حجر، وقد فعل.

منذ العام 1936 ولم تنتبه وزارة التربية أنّ للمدارس الخاصة مناهجها وأنّ إضعاف المدرسة الرسمية بنيويّاً (وهذا حديث يطول) أدى إلى أن ينتسب 55% من طلاب لبنان اليوم إلى مدارس خاصة. وللمدارس الخاصة في لبنان جمهورياتها ذات “الحرية” و”السيادة” و”الإستقلال” أيضاً، ودور وزارة التربية لا يرقى حتى إلى دور الـ UNIFIL في إحصاء الخروقات للقوانين اللبنانية المتعلقة بالشؤون التربوية.

الأمر يستدعي أن ينظر القارئ إلى منهجية الكتاب، فوصف حزب الله وحماس بالإرهاب في كتاب تاريخ، يأتي من ضمن نظرة معينة إلى التاريخ. كيف ينظر مؤلفو الكتاب إلى أمور شعوب أخرى؟

ماذا لو كنتُ من سكان (أميركا) الأصليين والملقبين بـ “الهنود الحمر”؟

سأسرّ جداً حين أقرأ ما كتبته سوزان هارجو Suzan Shown Harjo في الكتاب:

“سوف يُطلب منا أن نصدق أنّ الإبادة الجماعية للبشر والبيئة توازيها فوائد الأحصنة وخرزات الزجاج المقصوص وشاحنات الدفع الرباعي Pickup Trucks  والمايكرويف”.

وسأدمع مع ما قاله Bartolomé de Las Casas كشاهد على عملية إبادة شعبي “وسلاحهم المرعب الآخر بعد الأحصنة: عشرون كلباً... أوثبوهم على  الهنود... وفي ساعة تمت إبادة مئة منهم ...”

ولكنني سأمتعض أو أغضب لأن مسألة الإبادة لا تُعالج بشكلٍ مفصل في الكتاب، فالمنهجية تحاول أن تُظهر التاريخ عبر وجهات نظرٍ متعددة ولكن عموماً “متفهمة” أنّ الهنود الحمر كانوا بالنهاية فريسة المرض أكثر من القتل. ولكن الأسئلة المدرجة في نهاية الفصل في هذا الموضوع بالذات، تحث العقل على المناقشة والتفكير الواسع.

فمؤلفو الكتاب إذاً، وتحت عنوان “وجهات نظر أخرى- إرث كلومبوس” (الصفحة 109)، يرون أنّ هناك أكثر من مدرسة ومن نظرة إلى حدثٍ تاريخي معين ويبدو الكتاب واقعياً، نوعاً ما، ويهدف إلى تثقيف الطالب وتفتيح ذهنه بالمواضيع المرتبطة مباشرة بالمجتمع الأميركي.

ويتأثر المؤلفون بمكونات المجتمع الأميركي (طبعاً)، فهم أكثر تفهماً أو استعداداً لتقبل مبدأ “وجهات النظر” حين يتعلق الأمر بالهنود الحمر والأميركيين من أصل إفريقي وكذلك القادمين من جنوبي أميركا (Hispanics) .

وينعكس هذا في إشارة سريعة، وإن خجولة، إلى دور الـ CIA في الإطاحة بـ “أليندي” في العام 1973 طبعاً بعد وصفه بالـ “admitted marxist”: “الـ CIA ساعدت قوى معارضة ........ على الإطاحة به”. لاحظوا كلمة “ساعدت”. وفي مقاربتهم استخدام القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية بسؤال يشجع إلى حد ما على النقد حول رمي القنبلة الثانية (ناغزاكي).

 

 لكن الموضوع يختلف حين نخرج من الولايات المتحدة ومكوناتها الإجتماعية إلى عالمنا العربي بشكلٍ خاص أو إلى مناطق يعتبرها المؤلفون هامشية، فيُحرم القارئ من المشاعر الجياشة التي يُسر بها الأميركي والهندي الأحمر، فهنا لا سرورَ ولا حزنَ ولا حتى غضب، بل قرف... قرف ممن كتب (الغرب) وقرف ممن لم يكتب (نحن).

ماذا لو كنتُ من الكونغو؟

هنا الرأي آحادي وليس هناك «وجهات نظر» بل يأتينا الموقف الأميركي الرسمي ليروي لنا بشكلٍ مبتسر قصة الإطاحة بـ»لومومبا» في العام 1961 ولا يذكر ظروف مقتل داغ همر شولد الغامضة بل يكتفي بالاشارة إلى مجيء موبوتو والذي «قام بانقلاب، «غير دموي»، في العام 1965 وحكم... واستقر... ولكن في العام 2000 دخلت الكونغو في حرب أهلية...»

لا ذكر عن دورٍ للولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً الـ CIA، التي سبق وذكرها الكتاب في خبر تشيلي،رغم أنّ بلجيكا ذُكرت كمتدخل. فالمؤلفون يلتزمون بموقف بلادهم الرسمي القديم، رغم التقارير التي أثبتت أنّ الإطاحة بلومومبا كانت بطلبٍ وتدخلٍ أميركيين.

ترى ماذا سيقول الكتاب في طبعته الجديدة عن مقتل نحو 3 ملايين من الكونغو في الأعوام التسعة الماضية؟

وماذا عن إيران والإنقلاب على مُصدّق؟

«..أمّم (الإيرانيون) شركة نفط تعود ملكيتها إلى بريطانيا وفي العام 1953 طردوا الشاه، وخوفاً من أن يلجأ مُصدّق إلى السوفيات للمساندة، قامت الولايات المتحدة بالقبض عليه وأعادت الشاه إلى السلطة».

أما فيما يتعلق بدعم الشاه، رغم الإشارة إلى الفقر والسافاك، فالعنوان الأساسي في الكتاب هو «الولايات المتحدة الأميركية تؤيد الحكم العلماني».

فالمسألة إذاً في إيران هي بين «العلمانيين» (الشاه)، ورجال الدين (الخميني) طبعاً مع عطر النفط.

وهنا لا حاجة لأسئلة عن حقوق الإنسان وعن التدخل غير المشروع، ففي عملية ما سمّاه المؤلفون «القبض على مصدّق» تبدو أميركا كأنها تعمل شرطياً شرعياً وطبعاً لا ذكر أنّ مُصدّق كان رئيساً لمجلس الوزراء بأكثرية ساحقة وبطريقة ديموقراطية.

وماذا لو كنتُ مسلماً؟

لقد خصني الكتاب ببضعة أسطر عن الإسلام كديانة توحيدية في الفصل الثاني المعنون «التقليد اليهودي المسيحي».

(اشرحوا هذا لأولادكم).

ولكن ماذا لو كنت من هذه المنطقة من العالم؟ ماذا نسميها؟

هنا لن أجد ذكراً لبلادي، سمِّها ما شئت.

«فاليهودية والمسيحية ابتدأتا في زاوية صغيرة في جنوب غربي آسيا»

ترى أين يقع هذا الجنوب الغربي من آسيا؟

(اشرحوا هذا لأولادكم).

وماذا لو كنت فلسطينياً؟

«إنّ تقسيم فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية أنشأ خلافات مُرة في الشرق الأوسط، بعض المشاكل التي واجهتها الأمة الجديدة إسرائيل كانت مشابهة لما واجهته أمم أخرى جديدة في أفريقيا وآسيا... الفلسطينيون الذين لم يبقوا في إسرائيل واجهوا حياة ممزقة كلاجئين». أما المقيمون اليوم فيبدو أنّ الكتاب يراهم في نعيم.                                                                 

(اشرحوا هذا لأولادكم).

وفي الصفحة 522 من الكتاب صورة جميلة لغولدا مائير (قد تكون أجمل صورة لها) كموقِّعة «لوثيقة استقلال إسرائيل». إذاً إسرائيل كانت محتلة (مِن قبل مَن؟) ثم استقلّت!

(اشرحوا هذا لأولادكم).

وفي الصفحة 523 يُذكر اسم حسني مبارك، Hosni Moubarak، وطريقة لفظه بالعربية

(HAHS-nee Moebahr-uhk)  (حاولوا أو ليحاول أولادكم لفظ هذه الأحرف) وهناك في الصفحة 524 و525 وصف لحياة الكيبوتز في إسرائيل في العام 1951 حيث “بدل تعليم الرياضيات والفلسفة أو علم النفس، يقوم مهاجرو إسرائيل المتحمسون من محامين وأساتذة  بمطالعة .... آخر المنشورات عن الزراعة العلمية التي تصدر عن الـ “U.S. Department of Agriculture”. لا ذكر هنا طبعاً لمن سُلبت منهم أرضهم وقُتلوا وهُجروا.

(اشرحوا هذا لأولادكم).

وعن “السلام” (أوسلو 1993) نقرأ “ومع أنّ ناتنياهو كان معارضاً فإنه برغم ذلك، قام بمجهودات للحفاظ على الإتفاق...” (ليشرح الفلسطينيون هذا لأولادهم)

(Netanyahu (Neh-Tan-Yah-hoo

(التحدي اللفظي لا يزال قائماً)

وحتى لا يظن أحد أنّ الكتاب غير حساس نحو مسألة فلسطين فلقد فعل “المحظور” وطرح سؤالاً: “يقال أنّ الأزمة العربية الإسرائيلية ليست بين محقٍ ومخطئ بل بين محقٍ ومحق”، ما رأيك؟ طبعاً لا شيء عن مذبحة دير ياسين (استعينوا بما كُتب عن سكان الأرض الأصليين الملقبين “بالهنود الحمر”).

ولهذه الأسباب وأكثر، يستحق كتاب تاريخ العالم الحديث (Modern World History) النقاش والضم إلى لائحة الكتب المطعون فيها (Challenged Books). وهذا ما يتوجب على لجنة أهل الـ IC المطالبة به وعلى وزارة التربية تأدية دورها وفقاً لشروط تأسيسها، وإلا ما الحاجة إليها؟

إذاً!

إذا كانت هناك مدارس في الولايات المتحدة الأميركية لا تدرّس كتباً معينة أو يتدخل “مراقبوها” في تشذيبها مثل:

 The Adventures of Huckleberry Finn (Mark Twain) and the Catcher in the RYE (J.D. Salinger) and of  Mice and Men John Steinbeck)

وإذا كان هناك من يعترض على تدريس داروين في المدارس فلماذا لا نناقش هذا الكتاب؟

كيف؟

أولاً: أن لا يتدخل الأمن العام اللبناني في مسألة الكتب وهذا يحتاج إلى تعديلٍ قانوني. فلتكن المسألة بين المركز التربوي للبحوث والإنماء والمدارس الخاصة.

ثانياً: أن لا تُلصق أو تُمزق أوراق أو تُشطب عبارات من كتاب (أي كتاب).

ثالثاً: أن يُعتبر هذا الكتاب من ضمن الكتب القابلة للنقد أو النقض أو الطعن. وإذا كان هذا الكتاب من ضمن منهج ما يسمى بالانترناشيونال بكالوريا، فماذا في هذا؟ وما الإشكال إذا تعلّم طلاب

 الـ IC أنّ لكتبة هذا الكتاب وجهة نظر معينة يحاولون إظهارها وهي ليست بالضرورة صحيحة؟

رابعاً: يُعتبر هذا الكتاب دعوة إلى “المعتزّين” بوطنيتهم إلى إصدار كتاب تاريخ، مشوّق برسوماته وأسئلته وقصصه مثل هذا الكتاب ولكن أكثر تنوعاً ونقداً لمراحل التاريخ (تاريخنا وتاريخهم). فأين “العروبيون” منه؟ وأين “اللبنانيون” منه؟ وأين الأنظمة العربية من هذه المهمة؟ وطبعاً أين وزارة التربية اللبنانية؟

إنه كتاب أميركي يعكس وجهة نظرٍ شبه رسمية عن العالم، حيث تظهر العنصرية (حيناً) والوطنية الأميركية (أحياناً) بكتاب تاريخ، يقابله لدينا فراغ مرعب في مناهجنا التربوية لا يملؤه سوى خرافاتنا وتفاهتنا أو كتاب كهذا! وربما هو “الكتاب الموحّد” الذي وضعه الأميركي لطلابه والذي سيتذابح 8 و14 آذار وما قبلهما وما فوقهما وبعدهما دون وضع كتاب يُقارن به أو يفوقه، دون أن يكون “موحّداً”. فليس هناك نظرة واحدة أو “متحدة” للتاريخ.

لنقرأ هذا الكتاب ولننتقده ولنرمه بعد ذلك جانباً بمعرفة تامة أنه كتاب روما عن البرابرة والبرابرة هم نحن. لا تقولوا لأولادكم أنه كتاب تاريخ، بل كتاب”هم” عن تاريخ”نا” الذي لم نعرفه ولم نفهمه ولم نناقشه ولم نكتبه بعد.

وحتى أقتبس من صديق: ماذا لو سئل الطلاب في الإمتحان هل حزب الله منظمة إرهابية، كيف سيجيبون وما هي العلامة؟ وجوابه أنّ المسألة تعتمد على المُصحح هل سيكون أسعد أبو خليل1 أو إيغور ليبرمان؟

وفقاً لمنهجية هذا الكتاب في تحديده معنى الإرهاب، يكون غزو الولايات المتحدة للعراق عملاً إرهابياً. ولكن قد يكون قتل 1,400 انسانٍ في غزّة معللاًً، ولن يجدوا صورة لهم فيه بل صورة للجندي المخطوف جلعاد شليط.

انتظروا الطبعة الجديدة.

 

1 - أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا وله مدونة بعنوان “وكالة أنباء العربي الغاضب”

2 -وزير خارجية إسرائيل

جواد عدره

 

اترك تعليقا