الوزير صفر وحظوظ النجاح في جمهورية “هلق مش وقتها”!
منذ زمن والمواطن صفر يعمل ويحلم بأن يكون له دور في عمليات القرار والإصلاح في هذا البلد. فهو ليس كزميله الآخر (المواطن صفر أيضاً) الذي يعتقد أنّ الأمر “فالج” والمعالجة قد تكون في أسلوب آخر وربما مكان آخر. فقد سبق له واعتقد أنّ “المحاولة” كانت ذات “حظوظ” خلال الفترة الشهابية، لو لم يحدث ما حدث، وطبعاً لولا العراك الأميركي الناصري وانقلاب الحزب السوري القومي الإجتماعي والظروف المؤدية إلى اتفاق القاهرة و.. و.. ولقد اعتقد أنّ هناك “فرصة أخرى” خلال “التوافق” السعودي- السوري- الأميركي(نحو اتفاق الطائف وخلاله) طبعاً لولا ضآلة رؤيا خُدّام البلاط أو ربما خَدام ذاته و.. و... ثم عاود المراهنة على فترة لحود-الحص، على الأقل في الأشهر الأولى، والتي فشلت طبعاً بسبب “الخدامين” و”الكنعانين” ذاتهم وتحديداً أصحاب المرارة منهم، وأيضاً الذين ذاقوا من المر ما تحلى له النفوس وأكثر دقة في التشخيص بسبب “لوبي المال والعقار”.. ورغم ذلك، وربما بسبب ذلك، قرر المواطن صفر دخول الوزارة. هذه المرة لم يعد في مركز الإستشارة بل في “قلب القرار”. وهو يعتقد، وبإيمان، أنّ بإمكانه تحقيق معجزة الإصلاح من “الداخل” بدلاً من الكلام المهمّش في “الخارج”. طبعاً هو يعلم أنّ المهمة ليست سهلة ولكنه يعتقد أنها ليست مستحيلة. وهو على دراية أنّ النظام الذي طَحَنَ الكثيرين ممن “حاولوا” أو أغوتهم “المحاولة” والذين شكّلوا نقاطاً مضيئة فيه، هو نظام قادر. ولكن المواطن صفر مصرٌ على التغيير، وفي أسوأ الأحوال أو أحسنها على “الصمود والتصدي”.
ولقد لاحظ جيداً حين سئل عن طائفته أنه مضطر لذكرها وهو غير المنتمي إليها. ولم يُسرّ حين انفرجت أسارير سائله: الحمد لله ما شطبتها وإلا كنت ستضطر إلى العودة إلى .... (رأس الطائفة الديني) للتأكيد على إعادة “تأهيلك”...(اسألوا زياد بارود عن التفاصيل حول مسألة شطب الطائفة عن الهوية.
لا يهمه ذلك فهذه من الشكليات. فهو يعتقد أنّ هناك “فرصةً” ولها “حظوظ” وسوف يحاول. وسينظر الوزير صفر إلى حالة البلاد تتآكل والجمهورية التي انهارت قبل أن تنشأ، وزعماء يرون أنفسهم أمراء، وكلٌّ على إمارته صيَّاح، مسلوبي الإرادة أمام الخارج وأقوياء على مواطنيهم، وسيقول لنفسه “سأحاول”. فهناك “توافق” وقد ننجح في “بناء الدولة”، وذلك قبل أن تنتف الديكة بعضها، ليس بسبب الخارج فقط، بل لأنّ طبيعتها وطبيعة نظامها تقتضي ذلك وهي لن تجيب عن أسئلة كثيرة.
أما لماذا كان ما كان؟ “فهلق مش وقتها”! لماذا دخلنا في حرب طاحنة 15 عاماً؟ هلق مش وقتها! لماذا تحوّل الماركسيون والعروبيون إلى منظّرين حول أهمية التسويات وعطر النفط؟ هلق مش وقتها! لماذا تحوّل “القوميون” إلى منظّرين وعاملين للكيانية اللبنانية ومدافعين عن “إنجازات” أجهزة المخابرات؟ هلق مش وقتها! لماذا أصبح همّ الزعامات والأحزاب الحفاظ على “مكونات” المجتمع اللبناني؟ هلق مش وقتها! لماذا يشعر الذين فشلوا في “مسيرة الانماء والاعمار” أنهم كانوا مناضلين لا موظفين في ديوان السلطان؟ هلق مش وقتها! لماذا أثرى ضباط المخابرات السورية وتحت نظر رؤسائهم؟ هلق مش وقتها! ماذا حدث لوحدة “المسار والمصير؟” هلق مش وقتها! ماذا حدث لترسيم الحدود والعلاقات الندية و“سوريا طلعي برّا؟” هلق مش وقتها!
لماذا شُتمت سوريا في ساحة البرج من قبل الذين عملوا مع أجهزتها لتعاد وتُمدح اليوم من قبل الأشخاص ذاتهم؟ هلق مش وقتها! لماذا قبّل السنيورة كوندي على وجنتيها؟ هلق مش وقتها! لماذا قُسّم البلد بين 8 و14 ليعود الزعماء ويقولوا لنا أنهم لم يكونوا منقسمين وأنهم كل عمرهم أحبّة؟ هلق مش وقتها! لماذا قُتل من قُتل؟ هلق مش وقتها! ما هذا الهدوء وكأن على رؤوسهم الطير؟ (“والمداحون الكاذبون” تأهبوا) هلق مش وقتها!
الديكة تقاسمت القنن والدجاج والبيض وهي اليوم في “حالة وفاق”.
والوزير صفر يعتقد أنّ مشروع الدولة لا يزال قائماً أو ممكناً وأنّ كيان الدولة أو الدولة-الكيان أو الوطن- الدولة للدويلات الحالية، والتي نشأت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، هو قابل للحياة. في هذه الدويلات عائلات تحكم أحادياً، وفي لبنان عائلات وانتدابات، وأهلاً بكم في عالم عربي يفخر، بأنه تحجّر منذ أواخر الستينات في قياداته وتراجع في مفاهيمه وقيمه. وكفانا نموذجاً مَنْ انتفضت كرامته وهدد باحتلال السودان وهاجم الجزائر دفاعاً عن الطابة.
ولكن ما همّ! فهذا هو النظام اللبناني وكالعادة يرحب بمن يلعب لعبته ببشاشة وهشاشة ويحطم الضعيف والثائر ويدمر الإنسان والطبيعة دون رحمةٍ وبومضة عين. لكنه يدقق في التفاصيل وينتظر “الإرشادات” في المشاورات وفي التكليف والتأليف والصياغة والحياكة. وغداً تمتعوا بالمناقشات النيابية.
ولما جلس الوزير صفر إلى مكتبه أرسل له زميله، المواطن صفر، بعض الأسطر المستوحاة من كتاب1 ومن مقالة عن “ أسطورة سيزيف”:
ولكن إذا كان “البديل هو إنهاء الحرب”، وإذا كان الإصلاح غير ممكن “إلا من ضمن خط سياسي معلن يؤطر حوله تأييداً...” وإذا كان لا يجوز “قياس الطرح الإصلاحي على قياس ما يتقبله معارضو الإصلاح...” وإذا كانت صيغة الإدارة التي تأسست في أواخر العام 1992 قد قامت على “مقايضة استعادة الطاقة الإنتاجية للبلاد بالحصول على المال من الخارج ومقايضة مشروع بناء الدولة بترسيخ تآلف سلطتي الميليشيات والمال الخارجي”، فأية صيغة لأية إدارة تقوم اليوم بعد مؤتمر الدوحة وفي أواخر العام 2009؟ فليكن للزعماء الديكة “اللامركزية الإدارية”، تثّبت زعامتهم في قننهم والكلام تأييداً “لإلغاء الطائفية السياسية” أو ضدها لتظهرهم كإصلاحيين.
وهنا يأتي الإهتمام بأفكار سيزيف وهو يهبط من الجبل ليبدأ من جديد. وهي لحظة مأساوية حين يصبح البطل مدركاً أن لا أمل. ولكن “ما من مصير إلا ويمكن تجاوزه بالهزء”، يقول لنفسه.
وعندما يكتشف سيزيف عدم جدوى جهده وحتمية مصيره يصبح حراً في إدراك عبثية وضعه والوصول إلى القناعة المُرضية2. ومع علمه أن وصفات المنظمات الدولية من “جرعات سريعة” و”جزر نزاهة”، هي كلام بكلام فهو سيحاول. غداً ساساهم بإدخال تعديل على مسار القطار فلا يذهب إلى الهاوية. غداً، سأحسن الأداء ضمن وزارتي، يقول لنفسه. نعم وما الخطأ لو اكتفينا “بالصمود والتصدي”، إن لم يكن بالامكان أكثر مما كان أو سيكون؟
غداً ستهجم ديكة لبنان، غداً ستُوثِب دول الخارج ديكة لبنان، غداً ستهدِّئ دول الخارج ديكة لبنان. وبين ديك وديك سيمشي الوزير صفر على البيض فحظوظ النجاح والفشل تعتمد على مصالح وأمزجة الديكة ومن يحركها. غداً سيُنكَر الوزير صفر وقبل صياح الديكة.
الوزير صفر يعلم كل هذا طبعاً ولكنه يريد المحاولة! ويقول كامو: “كل شيء جيد، يمكننا أن نتخيل سيزيف سعيداً”.
جواد نديم عدره
-1 حظوظ اجتناب الأزمة وشروط تخطيها سيرة تجربة في الإصلاح (شربل نحاس)
-2 ألبرت كامو
اترك تعليقا