الـ TWITTER ما «بيتكلمش عربي» ولن يغسل تلك الأيادي ولبنان نموذجاً، ولكن؟
لا تفتقد هذه المنطقة عبر تاريخها القديم ومروراً بالفرنج والمغول والعثمانيين والفرنسيين والإنكليز والإسرائيليين والأميركيين الإرادة والاستعداد للعمل من أجل الحرية. فطريقها معبد بأرواح وأجساد من ضحى في هذا السبيل. وطبعاً هي لم تكن بحاجة لإطراءات ومديح من قادة الغرب ووسائل إعلامهم. ولكن لماذا نجد أنفسنا على ما نحن عليه من تخلف، والذي لا يمكن تفسيره إلا بفقدان الرؤية والقيادة والمؤسسات التي تسعى لتحقيق هذه الرؤية؟
هل كان فيصل الأول والثوار العرب يدركون، حين تعاونوا مع بريطانيا وانقلبوا على الخلافة العثمانية، أن المنطقة ستشهد سايكس بيكو ونشوء دولة إسرائيل؟ والمسألة آنذاك كل المسألة، بالنسبة للعالم هي زوال الإمبراطورية التركية وقدوم فرنسا وبريطانيا. حدث هذا في العام 1916 وسُميت بالثورة العربية الكبرى.
هل كان حسني الزعيم يدرك أنه في انقلابه في العام 1949 على شكري القوتلي، حين راح الناس ولأول مرة في العالم العربي يتساءلون ماذا تعني كلمة "انقلاب"، أنه افتتح عهداً جديداً أشر إلى بدايات نهاية العائلات التي اقتطعت نفوذها إبّان العثمانيين واستبقته مع الفرنسيين والبريطانيين؟
فها هو عبد الناصر يودع فاروق وها هو عبد الكريم قاسم يعدم الهاشميين في العراق وها هو حزب البعث يحكم سوريا والعراق فيتعاركا. والمسألة، كل المسألة، بالنسبة للعالم هي قدوم الولايات المتحدة الأميركية وإخراج بريطانيا وفرنسا وبداية الصراع مع الاتحاد السوفياتي. حدث هذا في بداية الخمسينات وسميت بالقومية العربية والمنظومة الاشتراكية.
وهل كان جمال عبد الناصر والملك فيصل وبعث العراق وسوريا يدركون أنهم في صراعاتهم وارتباطاتهم يكتبون مرحلة جديدة أُريدت لهم؟ فها هي إسرائيل تحتل وتتوسع وتكتسب شرعية، كل ذلك وشعارات القومية العربية والاشتراكية تملأ الدنيا. وهل كان يعلم هؤلاء أن النهاية قد اقتربت وأن مرحلة جديدة ستبدأ عنوانها الاستقرار والانفتاح والبذخ المالي المفرط والاستسلام لإسرائيل؟
وهكذا ودعنا شخبوط في أبو ظبي و السنوسي في ليبيا وسعيد في سلطنة عمان وخليفة في قطر والملك فيصل وجاء القذافي والسادات وبن علي وغيرهم واستقروا. حدث هذا بعد حرب 1967 وبعد حرب الاستنزاف وما سمّي بالصمود والتصدي.
هل كان صدام حسين وحسني مبارك وزين العابدين بن علي على دراية أن الأمور ستتغير كما سبق وحصل من قبل أم إنهم لم يقرأوا تاريخ بلادهم؟ مع صدام بالغزو ومع زين العابدين ومبارك بالـ Twitter ألم يعرفوا أنهم استهلكوا شعوبهم، وأنهم إستهلكوا؟ مشغولون كانوا في الصراع مع "العدو الفارسي". حدث هذا في بداية الثمانينات وقد تسمى المرحلة بالاعتدال والممانعة.
صدام ذهب دون أن يفهم ومعمر القذافي لا يريد أن يعلن أنه يفهم (مع أنه فهم بعد صدام) وحسني مبارك لا يزال يحاول أن يفهم. أن تجلس على العرش عشرات السنين وتفحش مع أسرتك وأزلامك بينما بلادك تنحدر وشعبك يفقر وتصر على التوريث هو حكماً الطريق إلى التهلكة.
أن تأتي CNN وBBC والجزيرة والحرة والـفايس بوك والتويتر ويكون شغلها الشاغل ما يحدث في تونس ومصر وكأن العالم كله توقف، هو أيضاً مؤشر أن التهلكة سريعة.
ولكن ماذا تعني ثورة دون قادة؟ دون أحزاب؟ ثورة شباب؟ ثورة Twitter؟ وأية خارطة طريق رُسمت لنا وماذا سنرى بعد عشرين عاماً؟ حدث هذا في العام 2011 وسميت بـ ......... أو لم تسمى بعد!
ومل دمنا بالروايات الرومنسية والمبسطة للتاريخ، فلنسأل:
هل دخل القاضي ابن الخشاب فعلاً إلى مسجد السلطان في بغداد مع جمهرة من الثوار لينزعوا الخطيب الرسمي فأُعلن الجهاد ضد الفرنج؟ حدث هذا في العام 1111.
وهل فعلاً صرخت السيدة: "وامعتصماه" فأدرك الخليفة العباسي أن المغول أتوا وأنه آخر الخلفاء العباسيين والذي يبدو أن تركيزه كان على الشماتة بالمصريين لأن امرأة اسمها شجرة الدر تحكمهم؟ حدث هذا في العام 1258.
وهل فعلاً دخل "لورنس العرب"، على الشريف فيصل الأول فتم الاعجاب فقرر الهاشميون الانقلاب على العثمانيين أم أن سياسة بريطانيا العظمى صممت الثورة وصمم مارك سايكس (SYKES) علم الثورة؟ حدث هذا في العام 1916.
وهل فعلاً انطلقت حركة 14 آذار حين كتبت أسمى أندراوس مع رفاقها على ورقة "استقلال 05" مستخدمين طبعاً الـSMS آنذاك،" فجاء الناس إلى الخيمة" وقالوا هاي "ومشى أعداء الأمس المسيحيون، المسلمون والدروز جنباً إلى جنب» كما قالت لـ New York Times؟ حدث هذا في العام 2005.
وهل فعلاً أتى وائل غنيم من دبي حتى يعلن ثورة الغوغل والفايسبوك والتويتر على مبارك؟ حدث هذا في العام 2011.
وكأن أنف كليوباترا لو كان أقل جمالاً لتغير وجه التاريخ!
لكن لما لا نتعمق قليلاً لنلاحظ:
سقوط عامل الخوف
كيف سقط ومن أسقطه؟
خطاب أوباما إلى الشعب المصري، تعليمات أميركا إلى قادة الجيش في تونس ومصر لرفع الغطاء عن زين العابدين ومبارك. لماذا؟
ارتفاع كلفة المواد الغذائية
دون الدخول في تحليلات معقدة، ولأسباب تتعلق بالمنتجين وبالسياسة الأميركية، اتخذت إجراءات معينة كان معلوماً أنها ستؤدي لارتفاع مفاجئ بأسعار المواد الغذائية الأساسية. هذا دون أن تتخذ تدابير تخفيفية حتى لا تتأذى الدول الفقيرة. لماذا؟
مجتمع متماسك وسلطة ماسكة
قامت الإضرابات والمسيرات (حتى الآن) الفعالة جداً في تونس ومصر وكلا البلدين يتميزان بتماسك المجتمع وبتواجد سلطة مركزية تقهر وتفقر الناس، وبالتالي هناك ثوار ومن تثور عليه. وفي الدول الأخرى هناك مخاطر حروب أهلية وتقسيم.
دول الاعتدال
حدثت الحركات المؤثرة في دولتين لهما علاقات ممتازة مع إسرائيل، اذ سقطت ورقة التين عنهما، فلا حجة ولا غطاء خلقي.
ولنعد إلى لبنان حيث يبدو أن فؤاد عبد الباسط السنيورة حين كان يجتمع مع مبارك طالباً عونه ضد "التدخل الخارجي" على أساس أن سوريا هي في الخارج ومصر هي في الداخل، كان يخطط سراً لقلب نظام الحكم في مصر. إذ إنه درب الثوار هناك على تكتيكات 14 آذار 2005 والتي يبدو أن السيد ساترفيلد كان الأستاذ الأساسي فيها. فها هم ثوار 14 آذار يعلنون انتصارهم على مبارك وطبعاً بمباركة هيلاري كلينتون.
أما قوى 8 آذار فقد سارعت بالشماتة وأيضاً بالادعاء أن من تظاهر في القاهرة كان يرفع شعاراتها، مع العلم أن الغياب لكلمة عروبة وفلسطين أو حصار غزة كان واضحاً. فالـ Twitter ما "بيتكلمش" عربي، فقط "الأرض بتتكلم عربي". أما "معجم" الإخوان المسلمين في مصر ولبنان فقد عجز حتى سيبويه عن فهمه أو فك طلاسمه.
المسألة هي أن لا الشعوب ولا القادة ولا الإعلام يصنعون مستقبل بلادهم إذا فُقدت الرؤية، هذا ما يعلمنا إياه التاريخ. لقد انفتحت نافذة والولايات المتحدة الأميركية هي من فتحتها لسبب يتعلق بمصالحها ومصالح إسرائيل: فاطلبوا وتظاهروا وتفرقوا لكن إياكم أن تهددوا إسرائيل أو النفط. ولا بأس إن سقط أو اهتز بعضهم مثل عمر سليمان في مصر أو خليفة في البحرين بنيران صديقة في عملية كبيرة كهذه. المهم أن يبقى الأردن فلا تهزه أزمات المنطقة منذ نشوء إسرائيل، وكأنّ قدره أن يراوح بين حالته ككيان يضمن أمن إسرائيل أو فكرة وطن بديل لأهل فلسطين. ولكم لبنان مثلاً يحتذى حيث لا سلطة مركزية ولا وطن بل عشائر وطوائف ودويلات. وهذه تركيا لمن يريد وإيران أيضاً وإسرائيل أبداً، فلا عرب ولا من يعربون. وقد يكون مفيداً لجمهور قناة الجزيرة أن يتذكروا أن قطر ستنفق مليارات الدولارات لاستضافة كأس العالم في العام 2020، ملتزمةً طبعًا بقبول اشتراك إسرائيل. وأيضاً لمن يعتقد أن القذافي كان دائماً عدواً للغرب أنه هو من سلم قادة الحزب الشيوعي في آب 1971 إلى النميري ليعدمهم. والسؤال: هل نحن أمام يقظة عربية أم سايكس بيكو أخرى؟
إن الثورات لم تصنعها صرخة من هنا ولا تويتات من هناك، بل ديناميات وتراكمات اقتصادية وسياسية ولدت حرمانااً وسجناً وذلاً تجذّر في تاريخنا يريد الغرب والإعلام اليوم أن نهمله أو ننساه. ومن القاضي الخشّاب وقبله إلى الآن، هناك أبطال دون أسماء يسعون للحرية يقمعهم الغرب عبر أزلامه. والدليل المطلب الذي رفعه الناس "ارحل" وكأنهم يقولون إن من يحكمهم هو مستعمر غريب.
لذلك لا يمكن اعتبار أن ما حدث في تونس ومصر وما يحدث في دول أخرى سيمحو ما فعله الغرب في هذه المنطقة. فنشوء إسرائيل واستباحتها أراضينا وكرامتنا وتأييد الغرب المطلق لطغاة أذلوا شعوبهم وغزو العراق والحرب على لبنان في العام 2006 والفيتو الأميركي ضد إدانة الاستيطان في مجلس الأمن وبيع السلاح لدول النفط بالقوة مسائل ستبقى مطروحة. فالمديح من قبل كاميرون وأوباما وبقية قادة الغرب لشعوب هذه المنطقة لن يمحو هذه الأعمال ولا كلمات أوباما عن العلاقة "البالغة القداسة" مع إسرائيل أو صورة هيلاري كلينتون فخورة أمام الجدار الفاصل في فلسطين. وكأن تويتر العالم كله لن يغسل تلك الأيادي..
إن النافذة مفتوحة لنا نحن أيضاً أبناء هذه المنطقة، والكلمة لنا، إذا توفرت الرؤية والإرادة، وإلا لبنان نموذجاً. وعندها تمتعوا "بضيعة تشرين" وحسني البرزان بقلنسوة الطنجرة. وتويت تويت ما شئتم!
اترك تعليقا