أنطوان بطرس - الرياضيات الكسارية(3)
ولرسم الاشكال الكسارية التي تساعد على رؤية حركة الانتقال من الانتظام الى الفوضى يحتاج المرء إلى ثلاثة معينات، في حين أن رسم دائرة أو مربع لا يتطلب سوى معينة واحدة وهي الطول. لذلك تعتبر هذه الاشكال بسيطة في حين أن الكسارات معقدة. اما المعينات الثلاثة اللازمة لرسم الكسارات فهي اولا الطول وميزته، في هذه الحالة أن يتضاعف كلما تضاعف ارتفاع الصورة، وثانيا البعد، ويرمز اليه بالرمز (ب) وهو الاكثر اهمية واثارة للخيال. وهو يتراوح بين 1 و 2 إذا كان الشكل مسطحا ووظيفته هي التحكم في الارقام النسبية التي تشكل الالتواءات.
وتتحكم هندسة الكسار بالحجم النسبي للبنى الصغيرة والكبيرة. فان مشهدا للطبيعة مولدا بواسطة الرسوم التصويرية الكمبيوترية يمكن أن يكون ذا بعد يقع بين 2 و 3. فاذا كان أقرب إلى اثنين فالمشهد سوف يتضمن كتلة كبيرة عليها ثغرات صغيرة. أما إذا كان الرقم أقرب إلى ثلاثة فالمشهد سوف يتضمن تلالا عدة متوسطة الحجم، وقليلا من التلال الكبيرة هذا ان وجدت.
وبعبارة أخرى فان الرمز (ب) هو البعد الكسري ومن الواضح أنه يختلف عن المفهوم التقليدي المعاير للبعد. وبالعودة إلى ما ذكرناه حول فضاء الطور يتضح لنا المفهوم التقليدي للبعد. ونستطيع ان نلخصه بانه رقم الاحداثية أو الاحداثيات المختلفة اللازمة لتحديد نقطة في الفضاء. فعلى خط مستقيم نحتاج لاحداثية واحدة أما على مسطح أو مشهد طبيعي فنحتاج إلى احداثيتين. اما في الكسريات فالبعد له تحديدات عدة وبالتالي قيم رقمية مختلفة.
أما المعينة الثالثة اللازمة لرسم الكسار فهي “البذرة” أو عامل “الصدفة” بمعنى المتغيرة العشوائية. ولفهم دور هذه المعينة نحتاج الى قطعة نقد وورقة بيضاء. نبدأ باختيار نقطة ما في مكان ما على الورقة، وليس المهم أين. ثم نرسم لانفسنا قاعدتين، ولنفترض أن احد وجهي النقد يسمى “طرة” والثاني “نقشة”، فاذا جاءت رمية النقد “طرة” تتحرك مسافة سنتمترين إلى الشمالي الشرقي، أما إذا جاءت “نقشة” نتحرك بنسبة 25% إلى الوسط. ثم نبدأ برمي قطعة النقد وتحريك القلم على الورقة متبعين ما يمليه كل وجه من وجهيها من تحركات.هذه الطريقة نطبقها على الكمبيوتر لنستحدث عامل الصدفة في اتجاه الرسم. ورغم أن طريقة عمل الطبيعة هو أكثر تعقيدا من ذلك إلا أن البرنامج الكمبيوتري مزود برقم محدد للنتائج المحتملة فيعمل ضمن حدود هذا الرقم.
وتحتاج هذه الرسوم لتنفيذها إلى تعليمات مختلفة. فإذا طلبنا من الكمبيوتر أن يرسم دائرة فانه سيقوم بالمهمة ويتوقف. في حين ان رسم الكسار يتطلب برمجة الكمبيوتر ليستمر في صنع الحلقات إلى ما لا نهاية. بكلمات اخرى فانه بعد أن يكون الكمبيوتر قد أتم مهمة بسيطة محددة له وانتهى من رسم الخط المنحني بحد ادنى من التفاصيل فانه يبدأ مباشرة بتكرار المهمة نفسها إنما بمقياس أصغر من الطول مطبقا بذلك تفصيلا اصغر وهكذا الى ما لا نهاية. وان النسبة بين مختلف أطوال المقاييس هو العامل (ب) الذي اشرنا اليه بصفته المعينة الثانية لرسم الكسار. والواقع أن التكرار هو الحيلة التي تمكن الاشكال الهندسية التي تنطوي على مقاييس عديدة من الطول ان تغير ابسط الاشكال الهندسية. والسبب هو ان الحلقة المتقطعة، اي التي يجري رسمها بعد عدد محدد من الخطوات هي اقل تبسيطا من الحلقة المستمرة إذ أن الطلب من الكمبيوتر ان يعرف اين يتوقف ومتى يتطلب اضافة معينة (كالعداد مثلا). وحينما يتم الرسم بلا حلقات تكون النتيجة ملساء إلى أبعد الحدود اما مع الحلقات فالشكل يصبح خشنا للغاية وغير منتظم أشبه بتضاريس الشواطئ والجزر.والواقع ان التبطين الداخلي للرئة وتضاريس الشاطئ وتوزع النجوم في الفضاء يتبع النمط التمددي نفسه للكسار.
اترك تعليقا