الانتاج الفني في العراق
يعود الفضل في تأسيس الفن العراقي المعاصر إلى فائق حسن وجواد سليم اللذين أسسا حركة «الرواد» الفنية التشكيلية في الخمسينيات والتي تطوّرت لاحقاً باتجاه آخر مع تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث. في سنوات لاحقة، اتبّع آخرون مدارس مختلفة في الفن فظهر الانطباعيون والمجدّدون وجماعة الرؤية الجديدة. لعب فنانو الخمسينيات والستينيات دوراً أساسياً في توجيه التطوّر الفني في المنطقة واشتهروا في تركيزهم على القومية العربية. وبالرغم من أنّ هذه الفنون كانت تحظى برعاية حزب البعث لها، إلا أن هذه الرعاية لطالما شكّلت موضع جدلٍ وتشكيك لدى الكثيرين.
بلغت حركة الفنّ العراقي أوج مجدها في في السبعينيات والثمانينيات، وكان نظام صدّام يعمد إلى تحفيز الفنانين على الانتاج الفني من خلال تعليم الفنون وتوفير المواد اللازمة مجانا وإن كان ذلك بهدف الترويج لحزب البعث. أما الفنانون التي تربطهم علاقة وديّة بالنظام، فكانون يحظون أيضاً بالدعم المادي والحوافز المهنية التي تمكّنهم من تعزيز موقعهم ومكانتهم. لكنّ القرب من النظام كان يعني حكمًا الالتزام بعدم تجسيد أي نوع من أنواع المعارضة لسياساته عبر المحتوى الفني، والواقع أنّ مساندة النظام للفنانين والنحاتين خصوصًا كان الهدف منها وضع نصب وتماثيل، كانت في غالبيتها لصدّام في كافة ساحات المدينة، بغية تبجيل وتكريم الطاغية.
مع الغزو الأميركي عام 2003، تهاوى المشهد الفني في العراق وعمّت الفوضى المتاحف والمكتبات فلم تنجُ اللوحات الفنية الحديثة من عمليات النهب والحرق والتخريب. شأنه شأن المتحف الوطني، تعرّض المتحف الوطني للفن الحديث للسرقة والنهب والقصف، لكنّه لم يلقَ اهتماما إعلاميًا مماثلاً للأوّل. في سنوات لاحقة، وجد عدد من القطع المسروقة لدى بعض الباعة المتجوّلين الذين كانوا يسعون لبيعها لكسب عيشهم، مع أنّ التدمير الذي لحق بأرشفة المتاحف لدى نهبها يصعب إمكانية تعقّب كافة ما تمّت سرقته. وبالرغم من الجهود التي بذلها عددٌ من الفنانين لاسترجاع بعض اللوحات إلى المتحف، يخشى أنّ المتحف نفسه لم يعد مؤهلاً لاحتواء هذه اللوحات، فالمبنى في حالة يرثى لها، والحرارة المرتفعة داخله تؤدي إلى إلحاق الضرر بالعديد من اللوحات.
شهدت السنوات التي تلت سقوط نظام صدّام حسين تدمير العديد من التحف والآثار والنصب التذكارية التي ترمز إلى النظام القديم. اليوم، تبدو محاولات الحفاظ على الإرث الفني المتبقي من حقبة صدّام حسين مسألة معقّدة في ظلّ سياسات تطهير العراق من الفكر البعثي وكل ما يرتبط بحزب البعث، كما أنّ السعي لإعادة بناء الاقتصاد والبنى التحتية حالياً لا يسمح بتخصيص الوقت والاهتمام الكافيين لإعادة إحياء المشهد الفني المعاصر.
تحظى أعمال الفنانين العراقيين اليوم بالترحيب والإعجاب على الساحة العالمية، إلا أن هذه الأعمال تنجز وتعرض بمعظمها في الخارج لأن الغزو الأميركي فرض على هؤلاء، شأنهم شأن بقية السكان، الرحيل للعيش والعمل بعيداً عن ديارهم. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الغزو الأميركي أفرز جيلاً جديداً من الفنانين عمل للتعبير عن تجاربه الخاصة إثر التطورات الحاصلة في البلاد، لكنّ الوضع الأمني أعاق إمكانية منح أعمالهم ما تستحقّه من التقدير. يبقى أن ننتظر لنرى إذا ما كانت مرحلة ما بعد الحرب قادرة على أن تعيد للعراق مكانته المرموقة كأحد أبرز مراكز الفنّ الأصيل في المنطقة، لكن في الوقت الحالي، تستمرّ مشاكل أكبر في إعاقة قدرة هذه البلد على إعادة بناء قطاعاته كافة وليس القطاع الفني فحسب.
اترك تعليقا