في الجامعة الأميركيّة: السّنة الثّانية
وسألت عن أستاذ في السّرياني، فقيل لي إنّ العلاّمة في هذا الحقل كاهن من أصل سريانيّ اسمه إسحاق أرملة، يعمل في المطبعة الكاثوليكية، ويساعد في تحرير مجلّة المشرق. يسكن في غرفة حقيرة في كنيسة السّريان في الخندق الغميق. قصدته ذات مساء وقلت: أرغب في تعلّم السّريانية. فدُهش. هذه لغة ميّتة يا ابني، وأنت شابّ، فما لك ولهذه اللغة. قصصت له خبر فيليب حَتّي ونصحه لي. قال: حبّاً وكرامة. واتّفقنا أن يكون الدرس مساء السبت، والأجر نصف ليرة لبنانية. وبدأنا فوراً بقراءة قصّة أدي الرسول الذي أسّس المسيحية في أيدسا زمن الملك أبجر التّاسع. وأحببت هذه اللّغة. ثمّ بدأنا بقراءة أهل الكهف بشكلها السّرياني الأوّل، وعنوان القصّة «النائمون السّبعة الذين استشهدوا في مغارة في أفسس» (من أعمال برّ الأناضول).
وتوثّقت عرى الصّداقة بيننا ، وتعلّمت منه أكثر ممّا تعلّمت في الجامعة الأميركيّة. بعد مدّة قصيرة- وكان قد علم بفقري وبجهادي، وكفاحي للحصول على المعرفة- قال: لا أتقاضى منك أجراً، أجري هو أن أعلّم شاباً مثلك هذه اللّغة الشريفة، اللّغة التي تكلّم بها السيّد المسيح على الأرض.
وسألت عن معلّم للغة العبريّة. قالوا: انزل إلى الكَنيس اليهودي في وادي أبو جميل، وبالقرب منه مدرسة لليهود، علّك تفلح في ما تطلبه. ونزلت صباح أحد، فقالوا لي: هناك معلّم قدير من آل المنّ. سله إذا كان لديه متّسع من الوقت لتعليمك. واهتديت إلى بيته في وادي أبو جميل، واتّفقنا أن تكون ساعة الدّرس صباح الأحد، والأجر 75 غرشاً في السّاعة. مرّة في الأسبوع. ولكنّ اليهوديّ لم يعفني من الأجر، على الرّغم من أنّني عربيّ فقير أتعلّم العبريّة. وسيأتي الكلام عن هاتين اللغتين، في سياق الحديث عن دراساتي في ألمانيا وشيكاغو. ولم تنفق الدراهم التي دفعتها سدىً بل كان لها أعظم النّفع في دراستي اللغات الساميّة.
انقضت السّنة الثانية بسلام، وبدأت تنتابني الهموم: من أين أحصل على الدّراهم للسّنة الثّالثة؟
اترك تعليقا