ميشال نوفل - الرابط المميّز بين الأم وطفلها
تبدأ العلاقة بين الأمّ وطفلها بالتطوّر خلال فترة الحمل، تحديداً بين الشهرين الخامس والسادس، حين تبدأ الأمّ بالشعور بحركة الجنين في داخلها وتتمكّن من رؤيته خلال التصوير بالموجات فوق الصوتية. وهكذا، يجد الجنين طور النموّ والأمان والاطمئنان لدى سماع صوت أمّه ودقّات قلبها، والواقع أنّ ثلثي النساء يشهدن ترابطاً وثيقاً مع أجنّتهنّ لدى بلوغ الشهر السابع من الحمل.
تزداد العلاقة بين الأم والطفل ترسّخاً عند الإنجاب، ففي الساعات الأولى بعد عملية الولادة، تكون الأمّ في اتّصال جسدي مباشر ومتواصل مع الطفل إن من خلال الرضاعة أو من خلال ضمّه إلى صدرها والحقّ أنّ هذه اللحظات الحميمة التي تلي عمليّة الولادة تساعد على خلق علاقة وروابط طويلة الأمد بين الطرفين.
في بعض الحالات، قد لا يتوفّر احتكاكاً فورياً بين الأمّ والطفل عقب الإنجاب مباشرةً نتيجة بعض التعقيدات خلال عمليّة الإنجاب أو نتيجة ولادة مبكرة تستوجب وضع المولود بعيداً عن أمّه لتلقّي العلاج الطبي اللازم. إلّا أنّ هذه المسافة المؤقتة لا تعني حكماً حتمية عدم حدوث رابط فيما بينهما لاحقاً، لذلك ينبغي ألاّ تشعر الأمهات بالإلحاح للتواصل الفوري مع أطفالهنّ لأن الأشهر التي تلي مرحلة الإنجاب تحمل فرصاً كثيرةً للتقارب والتواصل.
في الأشهر الأولى بعد الولادة، تتوثّق علاقة الأمّ بطفلها من خلال مراقبتها الدائمة له واتصاله المباشر ببشرتها. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الرضاعة عاملاً رئيسياً في تعزيز الصلة بين الأمّ والمولود من خلال اللمس والاستجابة والتحديق المتبادل. وفي هذه الفترة أيضاً، تصبح الأمّهات أكثر حساسيةً تجاه الحوافز الهرمونيّة والنفسيّة التي تجعلهنّ أكثر قرباً من حاجات المولود وضرورة حمايته.
إنّ العناية المادية بالطفل، كتوفير الطعام والملبس والراحة والرعاية الطبية هي أسهل الأعمال التي تتولاها الأمّهات، لكنّ التحدّي الحقيقي يكمن في توفير جوٍّ دافىءٍ وآمنٍ يضمن تطوّر الطفل ونموّه في بيئة سليمة وصحيّة. عادةً ما يستجيب الأطفال لمحبّة أهلهم بإظهار المزيد من التعلّق بهم ونوعيّة هذا التعلّق هي التي تحكم طبيعة الرابط بين الأمّ وطفلها ومدى تأثيره على نموّه الكامل.
خلال المراحل الأولى من الحياة، تتلازم علاقة الأم بطفلها ويصعب التفريق بين الاثنين، فتلعب الأم دوراً جوهرياً في تحفيز السلوكيات الاجتماعية والتكيّفيّة لطفلها من خلال التواصل معه، وغالباً ما تبدأ عمليّة التواصل هذه في مرحلةٍ مبكرة تقوم خلالها الأم بمحادثة طفلها مفترضةً أنّه محاورٌ حقيقي يتفاعل مع كلامها، فتسهّل بذلك نمو القدرات الحسيّة والإدراكية لدى الطفل على الرغم من افتقاره لنيّة التواصل في الشهرين الأولين.
بعد أول شهرين من الحياة، يبدأ الأطفال بالاستجابة إلى مبادرات التواصل الآتية من محيطهم عبر الابتسام، أما بعد مرور ستة أشهر، فيصبح هؤلاء قادرين على إدراك التصرفات التواصلية غير-الشفهية، وعادةً ما يطوّر الأطفال قدرةً على فهم معاني الكلمات قبل التمكّن من لفظها أو تنمية قدرات التواصل الشفهية. مع بلوغ الطفل العام الأول من العمر، تلعب الأم دوراً جوهرياً في تعليم الطفل اللغة الشفهية أو ما يعرف باللغة الأم.
بالإضافة إلى دورها في بلورة النمو الاجتماعي للطفل، لعلاقة المولود بأمّه تأثير على النمو العاطفي للطفل أيضاً، فقد أثبتت الأبحاث أنّ تزعزع علاقة المولود بأمّه قد ينتج عنها مشاكل سلوكية في مرحلة لاحقة من الطفولة، خصوصاً لدى الصبيان، فهؤلاء أكثر عرضةٍ لإظهار مشاعر الوهن والرفض والعدائية والخصومة.
إن العلاقة الصحية بين الأم وطفلها هي تلك التي تؤمن للطفل الأمان والطمأنينة والحب والرعاية والتعلّم، وما التهويدات الدافئة والقبل اللطيفة وليالي الأرق في أيام المرض وحتى تغيير الحفاضات إلا بعض من التصرفات التي تقوّي الرابط بين الأم وطفلها. ولعلّ التحدّي الأكبر هو قدرة المرأة على الوفاء بالتزاماتها وواجباتها كأم، لكنّ ما تناله من حبٍّ واحترامٍ وتقديرٍ من أبنائها في ما بعد يجعل التحدّي يستحقّ العناء.
اترك تعليقا