حنّا سعادة - الأرق المزمن
الأرق المُدرَك هو أحد أنواع الأرق الشائعة أيضاً، وكما يشير اسمه، غالباً ما يشكو منه كلّ من يستخفّ بالوقت الذي يمضيه نائماً ويغالي في تقديرالوقت الذي يمضيه محاولاً النوم. على عكس مرضى الأرق الحقيقيين، يحافظ من يشكو من الأرق المُدرَك على نشاطٍ طبيعي خلال النهار، لكن في كلا الحالتين، يلعب عامل القلق دوراً أساسياً في تعزيز وتعقيد مشاكل النوم، فتوقّع الأرق والتخوّف من حصوله يسهمان في جعله أكثر تمكّناً وترسّخاً فيشجعان بالتالي الاعتماد على الأقراص المساعدة على النوم ويمهّدان الطريق للإدمان عليها.
تكون درجة الأرق متناسبةً مع درجة تزايد اليقظة الدماغية التي دائماً ما تسبق الأرق. فيقظة الدماغ المفرطة خلال النوم أو عدمه تنشّط عمليّة التمثيل الغذائي وتزيد من إنتاج الكورتيزون ومعدّل ضربات القلب والنشاط الكهربائي والطاقة الأيضية للدماغ وهذه اليقظة هي نتيجة أسباب عدّة. تعدّ الأسباب الوراثية مسؤولة عن نصف حالات الأرق المزمن في حينٍ يرتبط النصف الآخر بأسباب بيئية وظرفية وشخصية وطبية. إن اعتبار الأرق كواحدٍ من اضطرابات اليقظة الدماغية المفرطة تجعله أقرب إلى الكآبة والقلق والهلع، وهي اضطرابات حاضرةٌ كلّها لدى كلّ ضحايا الأرق.
يأتي الأرق المرتبط بالساعة البيولوجية نتيجة خللٍ في إيقاعات النوم، فعادةً ما يستيقظ المرء مع بزوغ الفجر ويخلد إلى الفراش مع حلول الليل خصوصاً أنّ الظلمة تدفع الدماغ إلى إنتاج هرمون الميلاتونين الذي يحضّرنا للنوم. حين يختلّ هذا الإيقاع، نبدأ بالخلود إلى الفراش في وقتٍ أبكر أوأكثر تأخيراً من العادة، لكن من دون أن يؤثر ذلك على عدد ساعات النوم لدينا. يحصل اختلال التزامن هذا لدى المسنّين والشباب على حدّ سواء. فقد ينام المسنّون عند الثامنة مساءً ويستيقظون عند الرابعة فجراً لأن الساعة البيولوجية لديهم تدور بشكلٍ أسرع من إيقاع النوم المعهود، أمّا المراهقون، فقد يخلدون إلى فراشهم عند الثانية بعد منتصف الليل ويستيقظون عند العاشرة صباحًا لأن ساعتهم تدور على نحوٍ أبطأ. من الممكن ضبط هذا الخلل عبر تأخير موعد النوم قليلاً لدى المسنين وتقديم موعد الاستيقاظ لدى الشباب بغية إعادة تنظيم دورة النوم الطبيعية بين الليل والنهار.
يحتاج تشخيص الأرق المزمن إلى اطلاع دقيق على تاريخ المريض ومعاينة متقنة يجريها طبيب متمرّس، والواقع أنّ معالجة بعض الأسباب الطبية كانقطاع التنفّس خلال النوم، ومتلازمة الساق المتململة والكآبة والقلق والألم قد تساعد في حلّ مشكلة الأرق. أما معالجة الأسباب غير الطبية من خلال 6 إلى 8 جلسات من علاج السوك المعرفي فقادرة هي الأخرى على تحقيق نتائج أفضل أحياناً من العلاج التقليدي بالأدوية.
تتنوّع الأدوية المستخدمة للمساعدة على النوم، وينبغي أن يكون الاختيار متفرّداً بشكلٍ يزيد من راحة المريض ويقلّص من المخاطر. يحبّذ استخدام الأدوية غير الإدمانية مع من لديه ماضٍ محفوف بالإدمان لكنّ هذه ليست قاعدة مطلقة، أما المسنّون، فتوصف لهم الأدوية التي لا تؤثر على التوازن للحدّ من احتمالية سقوطهم. بالإضافة إلى ذلك، يفضّل تخفيف جرعة الدواء إذا ما تسبّبت بترنّحٍ عند الصباح. باختصار، تبقى الأدوية غير الإدمانية الخيار الأنسب عند الإمكان.
يزعم أن الأقراص المساعدة على النوم تسبّب الإدمان، إلا أن وصفها بالشكل المناسب وللشخص المناسب يجعلها آمنة وفعالة ويكاد يلغي آثارها الإدمانية. والحقّ أن هذه الأقراص هي العلاج الوحيد القادر على استرداد القدرة على النوم العميق وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، ويمكن إعطاؤها بشكل متواصل أو متقطّع، على فتراتٍ قصيرة أو طويلة، بغية التحفيز على النوم أو الحفاظ على ايقاعه أو التدخّل لمنع الاستيقاظ باكراً.
الدوكسبين Doxepin الذي كان يستخدم سابقاً كمضاد للاكتئاب بات اليوم يستخدم كمساعد على النوم وهو يأتي على شكل سائل مع قطّارة يمكن التحكّم بها قطرةً قطرة. يحتوي كل ملليلتر على 10 مغ، وهي جرعة صغيرة مقارنةً بالجرعة المحددة للاكتئاب والبالغة 100 إلى 300 مغ. يساوي كل ملليلتر نحو 21 قطرة أي بمعدّل 0.5 ملغ. يساعد التحديد الدقيق لتوقيت وعدد القطرات على النوم من دون الشعور بالترنّح لدى الاستيقاظ صباحاً، ويوصى بهذا العلاج للمسنّين بشكلٍ خاص لأن العمر يجعلهم أكثر حساسية للأدوية المسكّنة.
اترك تعليقا