الحركة الأنثوية في سوريا
قامت بعض الشخصيات النسائية البارزة بقيادة الحركة الأنثوية في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد كانت الصحافية ماري عجمي أولى من أسّس مجلة تدعو إلى تحرير المرأة في الشرق العربي، وبالرغم من الشعبية الكبيرة التي لاقتها منشوراتها لدى النساء والنخب السورية إلا أنها قوبلت بالنقد اللاذع من قبل الجماعات المحافظة. تابعت عجمي نشاطها الأنثوي بحماس وإصرار وطالبت المؤتمر السوري بالسماح للنساء بالاقتراع كما أنها أسست أولى النوادي الفكرية للنساء. وقد تميزّت من بين الناشطات السوريات الرائدات في مجال المرأة والتحرير نازك العابد التي أطلق عليها لقب جان دارك العرب لقتالها إلى جانب الجيش السوري في معركة ميسلون. في العام 1919 أسست العابد جمعية «نور الفيحاء» ومعها مجلّة حملت الاسم نفسه، ثمّ عمدت في العام 1922 إلى تأسيس «الهلال الأحمر» للاعتناء بجرحى الحرب. وقد توسّع نشاطها ليشمل لبنان حيث أسّست في العام 1935 «رابطة النساء العاملات» التي سعت إلى تحسين ظروف العمل للنساء.
بعد نيل سوريا استقلالها في العام 1946، تنامى تهديد الأصولية الإسلامية، وكانت النساء السوريات في تلك المرحلة قد بدأن الانخراط في سوق العمل والتخلي عن الحجاب. نالت السوريات حقّهن في الاقتراع عام 1949 وفي الترشّح للانتخابات عام 1953. ساهمت ايديولوجيا القومية العربية بتشجيع مطامح النساء ودفعهن إلى المشاركة في المظاهرات الشعبية. بالإضافة إلى ذلك، شكّل الحزب الشيوعي محرّكاً إضافياً للحركة الأنثوية من خلال حثّه للعناصر النسائية في الحزب على التحرّر من القيود الدينية والاجتماعية.
حاول حافظ الأسد لدى وصوله إلى السلطة إنهاء العزلة المفروضة على النساء من خلال تشجيعه للتعليم ولانخراط المرأة في القوى العاملة، وهكذا، ارتفعت معدّلات التعليم في صفوف النساء فبلغت 92% في العام 2007 وفقاً لأرقام البنك الدولي، وتوسّع الحضور النسائي في سوق العمل خصوصاً في قطاعات التربية، وإن كانت الغلبة لا تزال للذكور إجمالاً. على الرغم من هذه الإنجازات، لم يفلح حزب البعث في إعداد وتطبيق سياسات تضمن مشاركة النساء الفعّالة في المجتمع المدني.
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، كان عدد الناشطات العاملات في سوريا محدوداً جداً، وكان مفروضاً على كافة الجمعيات غير الحكومية تسجيل نفسها والإعلان عن كافة اجتماعاتها ولقاءاتها ما كان يحدّ من قدرة المجتمع المدني على ممارسة الضغوط لسنّ التشريعات. إن الجمعية الشرعية الوحيدة التي تعنى بالنساء في سوريا هي «الاتحاد العام للمرأة السورية»، وهي تابعة لحزب البعث.وفي ظلّ عجز المجتمع المدني عن دعم حقوق المرأة، تبقى القيود المفروضة عليهنّ واقعاً لا مفرّ منه. بالإضافة إلى ذلك، ما من قوانين تمنع التمييز بين الجنسين في سوريا أو العنف المنزلي، أمّا تعدّد الزوجات فلا يزال جائزاً ولا يمكن للسوريات الزواج من دون موافقة الوصي عليهم. وكما هي الحال في لبنان، لا يحقّ للسوريات إعطاء الجنسية لأبائهنّ.
كلّ هذا ساهم في تعزيز بيئة حاضنة للثقافة الذكورية على الرغم من انخراط النساء في التربية وسوق العمل. استقطبت حقوق المرأة في الآونة الأخيرة حيزاً كبيراً من الاهتمام مع انتشار أخبار عن التعنيف الجنسي الذي تعرّضن له كسلاح من أسلحة الحرب، ومن المرجّح أن تنتفض السوريات فور انتهاء هذه الحرب ضدّ حكومة البعث أو أي حركات أصولية ناشئة، فقد سبق أن أثبت النموذج المصري أنّ حقوق المرأة ستصبح مسألةً ملحةً للتشريع وأياً كان الطرف الذي سيتولّى الحكم في سوريا، فينبغي عليه التعامل مع مسألة حقوق الإنسان والمرأة تحديداً بجدية وايجابية.
اترك تعليقا