شهر أيلول - بعد 31 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا أين الحقيقة؟
الاغتيال
بعد 23 يوماً على انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية اغتيل بشير الجميل بعد ظهر يوم الثلاثاء 14 أيلول 1982 بتفجير استهدف بيت الكتائب في الاشرفية وسقط معه 21 من رفاقه ومناصريه، وبينت التحقيقات أن من قام بالتفجير هو حبيب الشرتوني المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بتوجيه من مسؤول امني في الحزب يدعى نبيل العلم. لكن التحقيقات لم تبين الجهة التي عمل لصالحها العلم هل هي سورية أم أبو أياد المسؤول الأمني في منظمة فتح الفلسطينية، أم جهة أخرى تستفيد من هذا الاغتيال؟
المجزرة
تحت ذريعة الثأر والانتقام لاغتيال الرئيس بشير الجميل، وحتى قبل أن تظهر التحقيقات الجهة المنفذة، بدأت منذ صباح اليوم التالي لاغتيال الجميل مجموعات مسلحة من القوات اللبنانية بالتوجه نحو أطراف المخيمات الفلسطينية والمنطقة الغربية من بيروت والقيام باستفزاز الأهالي الذين انتابهم الخوف وكانت القوات الإسرائيلية تراقب ما يحصل. وقبل غروب شمس يوم الخميس في 16 أيلول 1982 بساعات بدأت هذه المجموعات المسلحة بمعاونة قوات من الجيش لبنان الجنوبي بزعامة الرائد سعد حداد بالدخول إلى مخيمي صبرا و شاتيلا المتجاورين وساعدتها القوات الإسرائيلية من خلال تشديد الحصار ومنع احد من الخروج من المخيمين، وبدأت هذه المجموعات المسلحة بارتكاب المجزرة وقتل كل من تصادفه في المخيمين ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ بعدما غادر الشباب لاسيما المسلحين منهم قبل نحو أسبوعين ضمن خطة ترحيل المقاتلين الفلسطينيين عن لبنان. وطيلة ليل الخميس ويوم الجمعة وحتى صباح يوم السبت على مدى 48 ساعة من القتل والجرائم المتواصلة. حلت المجزرة بحق الأهالي والسكان الفلسطينيين واللبنانيين.
روايات كثيرة نقلت عن الفظاعات وفي ابتكار أساليب جديدة في القتل والإجرام لم يسبق أن عرف العالم مثيلاً لها ما يدل عن حقد دفين لدى الجرمين الذين تجردوا من كل إحساس وشعور إنساني و تحولوا إلى ذئاب هائجة عمياء لا هدف لها سوى القتل و الإبادة. وكأنها تقتل حشرات أو جراثيم لإباداتها إبادة نهايته وليس قتل بشر. إذ لم يوفروا الأطفال والنساء الحوامل لان هؤلاء سيكبرون ويصبحون رجالاً ونساءً فيشكلون خطراً على “العنصر اللبناني النقي”.
والكتابة عن فظاعة هذه المجازر قد يستلزم كتباً ومجلدات لكن ثابتتها الوحيدة أن هناك مجرمون قتلوا أناساً أبرياء بطريقة همجية وبربرية.
الضحايا
لم يتم إجراء إحصاء دقيق وشامل لعدد الضحايا فهناك من قتلوا ودفنوا فوراً من دون معرفة عددهم، وهناك من خطفوا ولا يزال مصيرهم مجهولاً. لذا فقد تضاربت الأرقام حول عدد الضحايا، الرقم الأدنى تراوح ما بين 700-800 شخص ليرتفع بعد ذلك إلى نحو 1,300 وصولاً إلى 3,000 ويبلغ تقدير الحد الأقصى للضحايا نحو 4,000 ضحية فلسطينية ولبنانية.
المسؤولية
من المسؤول عن المجزرة؟ حتى اليوم لم تكشف كافة الخفايا التي أحاطت بهذه المجزرة بغية تحديد المسؤولية الفعلية من هي الجهة أو الجهات التي أمرت ومن هي الجهة أو الجهات التي نفذت؟ إسرائيل وبعد احتجاجات وضغوط داخلية وخارجية شكلت في تشرين الثاني وبعد شهرين على المجزرة لجنة تحقيق قضائية خاصة برئاسة رئيس المحكمة العليا إسحاق كاهانا. تقرير اللجنة جاء سياسياً وليس حكماً أو قراراً قضائياً وتضمن التقرير جزءاً سرياً لم ينشر حتى اليوم إذ لا تزال إسرائيل وبعد مرور 31 عاماً على المجزرة ترفض نشر هذا الجزء واعتبرت أن نشره يضر بالمصالح الإسرائيلية وينال خصوصاً من أمن الدولة وعلاقاتها الخارجية. وجزءاً علنياً نشر واعلن واعتبر فيه ان لإسرائيل مسؤولية غير مباشرة في المجازر التي راح ضحيتها المئات من الفلسطينيين على أيدي ميليشيات لبنانية مسيحية كانت حينها متحالفة مع إسرائيل وبأن وزير الدفاع حينها ارييل شارون يتحمل مسؤولية شخصية كونه لم يتوقع ولم يمنع في الوقت المناسب وقوع المجزرة وهذا ما أرغمه على الاستقالة، كما حملت المسؤولية لرئيس الوزراءالاسرائيلي حينها مناحيم بيغن ولرئيس الاركان الإسرائيلي رفائيل ايتان. وحمل التقرير المسؤولية للقوات اللبنانية بقيادة المسؤول الامني ايلي حبيقة لكن ايلي حبيقة، الذي تحول لاحقاً الى تأييد سورية وانتخب نائباً وعين وزيراً، نفى ما جاء في التقرير وأكد انه يملك وثائق تبرئ المسيحيين وتبرئه شخصياً من هذه المجزرة لكنه اغتيل في بداية العام 2002 قبل أن يكشف ما لديه امام القضاء البلجيكي. وثمة من يعتقد انه اغتيل لمنعه من كشف ما لديه والذي قد يدين إسرائيل، أما سمير جعجع فقد نفى اية مسؤولية له وقال في عدة أحاديث صحفية انه كان حينها قائداً لجبهة الشمال بعيداً عن موقع المجزرة.
أما حقوق ضحايا المجزرة فقد وجدت باباً مع إقرار بلجيكا ما يعرف بقانون الاختصاص العالمي و الذي يسمح بملاحقة مجرمي الحرب ،فتقدم عدد من المحامين بوكالتهم عن بعض الضحايا أو أبنائهم بدعوى ضد ارييل شارون لكن القضية لم تصل الى الغاية المرجوة إذ تم في العام 2003 تعديل قانون الاختصاص العالمي.
الأهداف
أورد المحللون أهدافاً كثيرة كان يرغب المخططون للمجزرة تحقيقها تمحورت حول هدفين يحققان مصلحة لإسرائيل
-
إرهاب الفلسطينيين واللبنانيين المؤيدين لهم ودفعهم الى الهجرة من لبنان
-
تأجيج العصبيات الطائفية بين أللبنانين و دفعهم إلى المزيد من الحروب والانقسامات .
انقضى أكثر من 31 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، حقائق ظهرت واخرى لا تزال مخفية وقد لا تظهر إطلاقا لكن المجزرة لا تزال حية في عقول وذاكرة أجيال كبيرة لبنانية وفلسطينية وعربية وحتى عالمية لأنها قد تكون من أفظع مجازر الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
اترك تعليقا