شيرين كريدية - دار أصالة للنشر
من هي شيرين كريدية وما الذي أتى بها إلى عالم النشر؟
لقد ترعرعت في بيئة حاضنة للقراءة وسنحت لي الفرصة بالتقاء العديد من الناشرين والموزعين والكاتبين في سن مبكرة جداً، فقد كان والدي مصطفى كريدية، رحمه الله، مؤسس دار النهضة العربية للنشر وهي من أعرق دور النشر في العالم العربي. لقد شكّل احتكاكي بعالم النشر منذ الصغر، بفعل تواجدي ضمن عائلةٍ امتهنت هذا المجال، إلى جانب خلفيتي التربوية، عاملين أساسين لدخولي هذا العالم. أنا حائزة على شهادةٍ في تربية الأطفال ودبلوم تعليمي للمرحلة ما قبل الابتدائية، بالإضافة إلى ماجستير في أدب الاطفال، ومن هنا كانت رغبتي في اكتشاف هذا العالم من منظوره الواسع وكان تأسيس دار أصالة لنشر كتب الأطفال عام 1994 الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.
هل كانت انطلاقة الدار عسيرة حينها؟
لا تخلو بدايات المشاريع من التحديات، والواقع أن الناس كانت تفتقر حينها للوعي أو الاطلاع الكافي حول مفهوم أدب الأطفال ولم تكن تعلم أين هو المكان المناسب لشراء كتب الأطفال. أما العائق الآخر فقد تمثّل في القدرة على خلق قنوات للتواصل مع الكتاب والمحررين والرسامين. خلال الفترة التدريبية التي خضعت لها في دار نشر «إغمونت» في بريطانيا، كنت أندهش بكمية النصوص التي كانت تصل إلى الدار في اليوم الواحد، وأردت أن تتخذ "أصالة" الخطى نفسها وتنال سمعةً وشهرةً واسعتين، حتى أنني بادرت إلى نشر إعلانات في الجرائد سعياً لاجتذاب النصوص والرسومات وغيرها. لقد بدأنا من الصفر ولحسن الحظ باتت النصوص والاقتراحات تصلنا اليوم بالمئات وهي في تزايدٍ مستمر، ولست أبالغ في قولي إننا نجحنا في ضمِّ أكبر قاعدة من الكتاب والرسامين إلى عائلتنا.
هل تشجعين التواصل مع الكتاب والرسامين الهواة؟
تسعى معظم دور النشر العربية للعمل مع كتاب ورسامين محترفين لاستثمار خبرتهم وتجاربهم السابقة، ما يؤدي للأسف إلى تعزيز الأنماط القائمة وينعكس تشابهاً وتجانساً في كافة الإصدارات الموقعة باسمهم. نحن نؤمن في دار نشر "أصالة" أن صناعة النشر تستلزم دماً شاباً ونبضاً جديداً وعلى الناشرين المغامرة بالتعامل مع مواهب شابةٍ مفعمةٍ بالنشاط والحياة. لقد كنت أخصص وقتاً منذ سنتين أو ثلاث لتصفح الانترنت بحثاً عن رسومات عشوائية لرسامين موهوبين وكنت أتصل بهم وأعرض عليهم فرصة العمل مع الدار. السوق في أمسّ الحاجة اليوم إلى الابتكار والإبداع، والهواة الصاعدون يتمتعون بهاتين السمتين، فضلاً عن مرونتهم وتكيفهم السريع وانفتاحهم على النقد والحوار. ينبغي تعريف الطفل على مختلف النصوص والرسومات بغية صقل حسه الفني ومساعدته على تطوير القدرة على التمييز بين العمل الرديء والعمل الجيد.
ما الذي يميز دار "أصالة" عن غيرها من دور النشر؟
تكمن قوة "أصالة" وتميزها في توفيرها كماً هائلاً من التنوع، فنحن نخاطب في إصداراتنا كافة الفئات العمرية (3 إلى 16) ونتعاون مع عددٍ لا يستهان به من الكتاب والرسامين وتتناول كتبنا مختلف المسائل والمواضيع. إن هذا الخليط المتفرد والمتشعب يغني تجربة الدار ويجعل منها منبراً يرحّب بكافة الخيارات والتوجهات ويجتذب القراء كافةً على اختلاف خلفياتهم وأذواقهم. تنشر الدار قرابة المائة كتاب في العام الواحد وتشكّل المدارس السوق الأبرز لإصداراتنا. عادةً ما تلجأ دور النشر الأخرى التي تصدر كماً مقارباً من الكتب إلى ترجمة 40% إلى 50% من منتوجها، إلا أننا ملتزمون في دار "أصالة" إنتاج موادنا الكتابية الخاصة ترافقها رسومات على نفس المستوى من الأصالة والإبداع.
هل لديك أي تجارب شخصية مع الكتابة أم أن عملك مقتصرٌ على النشر فحسب؟
مشكلتنا في العالم العربي هي أن الأكثرية تظن نفسها قادرة على إتقان كافة التخصصات في آنٍ معاً. أنا أؤمن بضرورة وأهمية التخصص في مجال محدد والتمكّن منه إلى أبعد حدود ولذلك أكرّس كامل اهتمامي للنشر وأرفض التطفل على المهن الأخرى بما فيها الكتابة. عندما يوظف المرء مطلق جهوده ومعرفته وانتباهه في خدمة مجالٍ واحد، يصبح كفؤاً وقادراً على التميز واستحقاق لقب المرجعية. من يكتب وينشر في الوقت نفسه، يطوّر، سواء عن قصد أو غير قصد، انحيازاً لنصوصه الخاصة ويضعهعا دوماً في طليعة الكتب المرشحة لنيل واستحقاق الجوائز، بغية تحقيق الشهرة والانتشار.
كيف تعززون أهمية الكتاب في مجتمع باتت فيه معدلات القراءة منخفضة إلى حدٍّ مقلق؟
نحاول قدر المستطاع المشاركة في نشاطات مرتبطة بالكتاب كقراءة القصص في المكتبات العامة وإقامة ورشات عمل للأهل والأساتذة حول كيفية استخدام الكتب والحث على القراءة، كما أننا نقوم بتنظيم حفلات توقيع كتب للكتاب والرسامين ونشارك في معارض الكتب ومسابقات القراءة لتسويق اسمنا وتسليط الضوء على إصداراتنا. إن إعادة إحياء القراءة مسؤولية مشتركة يتحملها الأهل والمدرسة ودور النشر ويجب عليهم التعاون بغية النأي بالطفل قليلاً عن العالم التقني ومنحه فسحةً للهدوؤ وللتأمل بعيداص عن ضوضاء العالم الخارجي.
اترك تعليقا