شهر شباط - الوثيقة الدستورية : استرت الحرب والإصلاح لم يتحقق
لكن المحاولة باءت بالفشل واستمرت الحرب قائمة بل زادت عنفاً عندما أيقن الجميع أن المسألة تتجاوز إصلاح النظام السياسي والمشاركة في السلطة وهي حرب إقليمية لبنان ساحتها والإصلاح ستارها. ومع إقرار وثيقة الطائف تمّ الاستناد إلى الكثير من البنود التي وردت في تلك الوثيقة لكن الطائف أبقى على العرف القائم في توزيع الرئاسات الثلاث بين الطوائف في حين ان الوثيقة كرّست ذلك وتجاوزت العرف.
وقد أذاع رئيس الجمهورية اللبنانية حينها سلمان فرنجية بنود الوثيقة.
في ما يأتي نص رسالة الرئيس فرنجيه إلى اللبنانيين التي تضمنت بنود الوثيقة:
“أيها اللبنانيون،
لم تكن مصادقة هذه البادرة التي طلعت علينا من دمشق يوم اشتد الخطب وتسعّرت النار في لبنان. فمنذ الزمن القديم عين من لبنان على سوريا الشقيقة وعين من سوريا على لبنان الشقيق، وهي عين ود وصفاء.
من هنا كانت مبادرة الأخ الرئيس حافظ الأسد الذي انبرى لرد الأذى عن لبنان بدافع من أخوة لا تطلب، غير الخير، أجراً.
انه لمن حقكم، أيها اللبنانيون، ونحن في نظام ديموقراطي حر، أن تطلعوا على ما انتهت إليه المحادثات في دمشق.
لم تكن دمشق في حاجة للتعرف إلى لبنان، فلبنان معروف الهوية لديها. لكننا رأينا أن نعرّف العالم، مرة أخرى، إلى هوية لبنان من دمشق ليعرف:
-
أن لبنان بلد عربي، سيد، حر، مستقل.
-
إنه مهد الدعوات التي شعت مشرقة في العالم العربي
-
إنه صاحب صيغة فريدة للتعايش بين الطوائف والأديان.
-
إنه ملتقى حضارات العالم، ومختبر إنساني فذ.
-
وإنه صوت العرب في الدنيا على يد أبنائه المقيمين والمغتربين. ولم يكن لغيب عن الأشقاء العرب أن من حق لبنان، أن يبقى سيداً ليبقى ذلك اللسان الأمين، فيبقى وجه الحق مشرقاً، وخير الأشقاء المصون متألقاً.
ولا كان الفلسطينيون في حاجة إلى التذكير بأن مؤتمر القمة العربية في الرباط عهد إلى لبنان في الدفاع عن قضيتهم في الأمم المتحدة، وان لبنان أنجز المهمة بإيمان واقتناع لما هي القدس مهد المسيح وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ولما هي القضية الفلسطينية قضية عدالة وحق.
أو كان الفلسطينيون في حاجة إلى التذكير بأن تواجد منطق الثورة الفلسطينية ومنطق الشرعية اللبنانية على أرض متماسكة ضيقة كأرض لبنان التي ليست، في الأصل ارض الثورة بالذات، بان هذا التواجد كان يفرض مزيداً من إنعام النظر والتحسب والاحتراز لئلا يصطدم المنطقان فيحصل التفجير، وبأن الوضع، اليوم يفرض مزيداً من الحرص على الالتزام بالاتفاقات والتقيد بتنفيذها ولاسيما اتفاق القاهرة.
فانطلاقاً من هذا،
وتحسساً بمسؤولياتنا عن شعب يظل هو هو مهما تعثرت خطاه و تخضب بالدم ثراه،
ثم في سبيل حياة جديدة فضلى،
في سبيل عدالة اجتماعية أحسن توزعاً، وأكثر شمولاً، وأعمق أثراً، في حياة الإنسان،
في سبيل إنصاف و مساواة لا يدركان، من طبعهما، إلا على مراحل وفي آخر الطريق .
في سبيل قهر المخاوف و التزويد بالاطمئنان،
وفي سبيل توطيد قواعد الأساس لوطن شامخ الرأس راسخ الوجود،
وأخذا بالرأي الذي تلمسناه في مشاوراتنا وبدا لنا من خلال الاجتماعات والبيانات، وتكريساً لواقع صار في تقاليدنا الديمقراطية، رأينا ان نرسي للبنان المقبل قواعد نؤمن بها كنا أعلنا عناوينها الكبرى في خطابنا عند إزاحة الستار عن تمثال فخر الدين، في بعقلين، في تاريخ 23 آب 1975، بعدها دعونا مجلس الوزراء إلى درسها في جلسات مفتوحة حدد موعدها آنذاك يوم كانت المطالب لم تتبلور، بعد، في الخواطر وذلك عندما قلنا:
“المطالب القائمة، من هنا وهنا، مطالب لبنانية، محض لبنانية، لا لون لها ولا هوية غير هذا اللون وهذه الهوية. فما هو نابع من صميم الناس ينبع، هو هو عفوياً، من ضمائر حكامهم. فلا نائل ولا منيل، إن هي إلا عدالة اجتماعية مستحقة سوية”.
وقلنا: “إن الميثاق الوطني، وهو صيغة تعايش أخوي كريم بين اللبنانيين فرضته مقتضيات الاستقلال، سيبقى صيغة للتعايش الأخوي الكريم متجاوباً، أبداً مع إرادة اللبنانيين، ومتطوراً مع طموحهم في نطاق الاستقلال وما الدستور، في نظرنا، بالشيء المنزل، انما الدستور تطوره ظروف الحياة. ولطالما تطور دستورنا بالممارسة وسيظل حتى يتم لنا ما ننشد. فضرورة التطوير شيء والتعنت في التغيير شيء آخر”.
وقلنا: “نظامنا هو النظام الذي ارتضيناه، جميعاً وفي ظله كان لنا ازدهار وصفاء.
والحرية إن لم تقهر نفسها في لبنان، فتقيم من ذاتها ضوابط لذاتها، فستظل حرية اللبنانيين مهددة بالاختناق. إذ ذاك أي منقلب ننقلب وماذا يكون المصير؟”.
وعندما قلنا: “لن يكون أمن في لبنان ما لم يأمن اللبناني جانب أخيه اللبناني، فيؤمنان معاً، إيماناً سوياً، بأن أرض لبنان لجميع أبنائها، وخيرات هذه الأرض لهم جميعاً بالسواء، كل بمقدار ما يقسم لنفسه بالعمل والكد والاجتهاد، عندها يرى الجميع أن التوافق والمشاركة والمساواة من عاديات الأمور التي تكون بداهة ولا تطلب”.
بهذه الروح كان لقاؤنا في دمشق، ثم انسجاماً مع ما بدا من تفكيرنا في خطاب فخر الدين هذا، جرى بحث النقاط الآتية:
-
التأكيد على العرف القائم بتوزيع الرئاسات الثلاث، فيكون رئيس الجمهورية مارونياً ورئيس المجلس النيابي مسلماً شيعياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، واعتبار كل من الرؤساء الثلاثة ممثلاً لكل اللبنانيين.
-
توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، ونسبياً ضمن كل طائفة. وتعديل قانون الانتخاب في ضوء ذلك وبما يضمن تمثيلاً أفضل للمواطنين.
-
انتخاب رئيس الوزراء من قبل المجلس النيابي بالأكثرية النسبية، ثم يقوم رئيس الوزراء بإجراء المشاورات البرلمانية لتشكيل الوزارة ويتم وضع اللائحة بأسماء الوزراء بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وبعدها تصدر المراسيم.
-
اعتماد أكثرية الثلثين في مجلس النواب لإقرار القضايا المصيرية، وأكثرية 55 في المئة لانتخاب رئيس الجمهورية في الدورات التي تلي الدورة الأولى.
-
وضع نص يجعل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء مسؤولين، وإنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
-
قيام رئيس الوزراء والوزراء بقسم يمين دستورية أمام رئيس الجمهورية.
-
إصدار جميع المراسيم ومشاريع القوانين بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتحمل توقيعهما ما عدا مرسومي تعيين رئيس الوزراء وقبول استقالة الوزارة أو إقالتهم. ويتمتع رئيس الوزراء بجميع الصلاحيات التي يمارسها عرفاً.
-
وضع نص يضمن الإسراع في إصدار المراسيم والقرارات.
-
تعزيز استقلال القضاء وإنشاء محكمة دستورية عليا للنظر في دستورية القوانين والمراسيم.
-
تعزيز اللامركزية في العمل الإداري
-
إزالة الطائفية في الوظائف واعتماد مبدأ الكفاية مع المحافظة على المساواة في وظائف الفئة الأولى.
-
إنشاء مجلس أعلى للتخطيط والإنماء من مهماته وضع برامج الخطط الإنمائية.
-
العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة، من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي.
-
تعزيز التعليم العام بما يؤدي إلى تعميم التعليم المجاني وإلزاميته وتطوير البرامج التربوية بما يرسخ الوحدة الوطنية.
-
وضع سياسة دفاعية وتعزيز الجيش.
-
تكريس حرية مسؤولة للصحافة تضمن انسجامها مع سياسة المجتمع في تحقيق الوحدة الوطنية وتوطيد علاقات لبنان العربية والدولية.
-
تعديل قانون الجنسية
هذه القواعد التي تطرح اليوم عليكم والتي يصير العمل بها تبعاً لتنفيذ اتفاق القاهرة، ما هي؟
إنها إعلان نهج للعمل الوطني جرى تدوينه في وثيقة وافق عليها مجلس الوزراء وسيعرض مضمونها على مجلس النواب، وتكون، إلى جانب الميثاق الوطني غير المكتوب، ركيزة جديدة تضاف الى ركائز الحياة الوطنية في لبنان، وتستمد قوتها من الولاء للبنان ومن الإخلاص في خدمته.
أيها اللبنانيون،
اياً كان حكم التاريخ غداً، فان حكماً لا بد من إصداره، اليوم، وهو أن لبنان، لبنان كله يستحق ولاء أبنائه، أبنائه كلهم، يستحق ولاءهم المتأجج الكلي غير المقيد بشرط ولا المشوب بعيب. بل هو يستحق ولاء جميع الذين فتح أبوابه، واسعة، في وجوههم.
وانه ولاء يستحقه لبنان لذاته، ويستحقه، بالتالي، ليظل قادراً على القيام برسالته: رسالته العربية، ورسالته في تعايش الطوائف والأديان. هذا التعايش الذي يسعى العالم وراءه في حوارات تفتح، شرقاً وغرباً، على كل المستويات وهو واقع راهن في لبنان ونهج حياتي رائع منذ مئات السنين.
ان هذا البلد المحب يجب ألا يرد عليه بغير المحبة.
أيها اللبنانيون،
ان الدم العزيز الغالي الذي نزف من لبنان لا يكون إهداراً مهدوراً إذا طلع منه لبنان الجديد الذي كتب له أن يولد بالآلام والدموع على رجاء السعادة والهناء.
ولن تكون ولادة لبنان الجديد أمراً عصياً إذا استمر اللبنانيون في فرض القساوة على أنفسهم. وإذا ما عرفوا أن يحشدوا طاقاتهم، وقد قام عليها خير دليل، في إرساء ركائز لبنان الغد، لبنان الالفة والكرامة المتطور، أبداً مع العصر والمتجاوب، أبداً، مع طموح أبنائه.
أيها اللبنانيون،
ثقوا أن ليس من شرف يفوق خدمة لبنان.
ولطالما خدمتموه، في ما خدمتموه، برأيكم الصريح الشجاع.
وإنكم غداً مدعوون إلى إبداء هذا الرأي.
فقولوا: نعم، لكل ما يحفظ هذا الوطن ويحميه.
وقولوا: لا، لكل ما يمسه ويؤذيه.
ويا أيها اللبنانيون، كل شيء يزول،
كل واحد منا زائل،
أما لبنان، له المجد، فباق إلى الأبد.
عاش لبنان
اترك تعليقا