آخر الأخبار

الكهرباء في لبنان: أزمة بلا حل (الجزء الأول)

إنفاق 36 مليار دولار (1992 – 2018)

الكهرباء في لبنان: أزمة بلا حل

شكلت بداية القرن التاسع عشر محطة أساسية في اكتشاف الكهرباء، مع العالم الإيطالي فولتا الذي ابتكر البطارية الكهربائية، ثم كانت بعده اكتشافات وابتكارات، لعلماء عظام أمثال أمبير ودينامو وأديسون، ساهمت في إرساء هذا العلم على قواعد علمية راسخة.

عرف لبنان الكهرباء منذ بداية القرن العشرين أيام السلطنة العثمانية، وكانت امتيازات ومراحل تطورت وتوسعت خلالها شبكة الكهرباء ووصلت إلى أوجها عشية الحرب اللبنانية التي دمرت العديد من المنشآت وأدخلت الظلمة والجمود إلى المنازل والمعامل.

وأصبح قطاع الكهرباء يعاني من أزمة كبيرة متفاقمة، وبالرغم من انتهاء الحرب وعودة الاستقرار وإنفاق أكثر من 25 مليار دولار على مشاريع إنشاء وتأهيل وتشغيل معامل الكهرباء فإنها تبقى أزمة قائمة. ولا يبدو أن الحلول سوف تبصر النور قريباً بل قد تكون أزمة دائمة أبدية سرمدية بفعل تداخل المصالح فكل عهد أو وزير يعدان اللبنانيين بالكهرباء 24/24 لكنها تبقى وعوداً.

مشاريع التأهيل والتطوير ومشاكلها

بعد انتهاء الحرب وانطلاق حركة الإعمار والبناء في العام 1993 أولت الحكومة اللبنانية أهمية كبرى لقطاع الكهرباء وضرورة تأهيله وتطويره لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية حيث وصلت كلفة هذه المشاريع إلى حوالي 1.8 مليار دولار (يبينها الجدول رقم 5 المرفق). لكن المواطن لم يتمكن من الحصول على التغذية الكاملة بالتيار الكهربائي لأسباب شتى.

في تأهيل معامل الإنتاج

بلغت قدرة الطاقة المتوفرة مع بداية العام 1993 حوالي 500 ميغاوات بينما الحاجة الفعلية تصل (في العام 2002) إلى 1,250 ميغاوات مما فرض إعادة تأهيل المعامل القائمة فرست الأشغال على العارض الوحيد شركة انسالدو الإيطالية بقيمة 66 مليون دولار بعد تخفيضه من 92 مليون دولار بناءً للمفاوضة مع وزارة الموارد المائية والكهربائية (وهذا ما سبب في حينه إقالة وزير الموارد المائية والكهربائية جورج افرام لرفضه توقيع الاتفاق مع انسالدو لاعتباره وجود مبالغة في الأسعار من قبل العارض الوحيد لكن قيمة هذا العقد ارتفعت إلى 111 مليون دولار). وبغية مواجهة ازدياد الطلب تم توقيع عقدين مع المجموعة المندمجة انسالدو/ سيمنس لإنشاء معملي انتاج يعملان بنظام الدارة المختلطة (الغاز والبخار) وقدرة كل منهما 435 ميغاوات: الأول في الزهراني والثاني في البداوي بكلفة إجمالية بلغت حوالي 571 مليون دولار.

هذا وشكلت قيمة هذه العقود مع العارض الوحيد الموافق عليه 91% من إجمالي عقود معامل الإنتاج أو 37% من إجمالي مشاريع الكهرباء. والجدير بالذكر أن إيطاليا كانت قد قدمت قروضاً لمشاريع الكهرباء وقد بلغت قيمتها حوالي 260 مليون دولار.

وإزاء هذه الكلفة المرتفعة تبرز علامات استفهام حول نوعية الأشغال وأخطاء التشغيل والصيانة مما يؤدي إلى تفاقم الأعطال في المعامل الجديدة والقديمة على السواء ومن الأمثلة على ذلك:

  • المجموعة الثالثة من الذوق توقفت عن العمل منذ بداية العام 2001 والمجموعتان الأولى والثانية تعملان دون قدرتهما الفعلية.
  • مجموعة واحدة فقط من أصل المجموعات الخمس في معمل الجيّة تمت صيانتها مما يحتّم إجراء صيانة لباقي المجموعات وبالتالي توقفها الواحدة تلو الأخرى عن العمل.
  • معملا الزهراني ودير عمار اللذان أنشأتهما شركتا انسالدو/سيمنس وتم بالتراضي تلزيم تشغيلهما وصيانتهما لشركة انسالدو نفسها بقيمة 440 ألف دولار شهرياً لكل معمل (مع أن مؤسسة كهرباء لبنان عمدت مع نهاية العام 2001 إلى تلزيم أعمال الصيانة والتشغيل لشركة «أنيل» بقيمة 330 ألف دولار شهرياً لكل معمل أي بتوفير 110 آلاف دولار شهرياً) واللافت أن هذين المعملين لم يعملا بطاقتهما الكاملة منذ إنشائهما في العام 1998 حتى اليوم لأسباب وأعذار شتى: عدم توفر خطوط النقل، نقص في الغاز والمازوت، أعطال مفاجئة، والسؤال ما هي حقيقة التجهيزات المستعملة في إنشاء هذين المعملين ومتى سيتم الاستفادة من طاقتهما القصوى المقدرة بحوالي 870 ميغاوات؟

عدم توافق إنشاء شبكات التوزيع مع معامل الإنتاج

لم تعمد الحكومة إلى تلزيم أعمال خطوط نقل الكهرباء في المعامل الجديدة بالتزامن مع إنشاء هذه المعامل مما أدى إلى عدم تشغيلها بقدرتها الكاملة حتى اليوم بالرغم من مرور أكثر من 3 سنوات على إنشائها، وما عدم اكتمال ربط معمل الزهراني بخطوط النقل سوى مثل على ذلك.

خط المنصورية

تقرر إنشاء خط المنصورية في العام 1996 ولكنه لم ينجز كاملاً حتى اليوم في العام 2018، فهو يشكل العمود الفقري لشبكات النقل ومن دون استكمال الـ  1,900م المتبقية منه لا جدوى لأي إنتاج كهربائي إضافي بسبب عدم قدرة الشبكة الحالية على استيعابه ونقله. وتشكل اعتراضات أهالي المنصورية عائقاً أمام استكمال الخط إذ يعتبرون أنه يوثر على الصحة والسلامة ويسبب أمراض السرطان. ويطالبون بأن يتم مد الكابلات تحت الأرض.  علماً أن هناك خبراء يعتبرون أن هذا الخط لا يشكّل خطراً.

ورقة سياسة قطاع الكهرباء 2010-2015

أقرت هذه الخطة بالإجماع في مجلس الوزراء بموجب القرار رقم 1 تاريخ 21-6-2010 إبان تولي الوزير جبران باسيل وزارة الطاقة والمياه. وهي تطرح حلولاً للقطاع الكهربائي وللمواطنين بهدف تأمين التوازن المالي والاستقرار الكهربائي معاً وترتكز على:

  • إنتاج نحو 4 آلاف ميغاوات في العام 2014.
  • إنتاج نحو 5 آلاف ميغاوات اعتباراً من العام 2015. وهذا يتم من خلال استئجار واستجرار الطاقة وإنشاء سريع لمعامل بقدرة 700 ميغاوات على الفيول وتأهيل وتطوير معامل الجية والذوق ودير عمار الزهراني وبعلبك وصور والحريشة وإنشاء معامل بقدرة 1,500 ميغاوات بالشراكة بين القطاعين العام والخاص و1,000 ميغاوات لاحقاً.

وهذا ما يسمح بتوفير الكهرباء 24/24 يومياً وتحويل لبنان إلى بلد مصدر للطاقة بعد العام 2018.

وتقدر كلفة الخطة بـ 4.8 مليار دولار موزعة:

  • 2.3 مليار دولار من القطاع الخاص
  • 1 مليار دولار من التمويل الخارجي
  • 1.5 مليار دولار من الدولة اللبنانية

لكن هذه الخطة لم تنفذ بسبب خلافات سياسية وظلت أزمة الكهرباء قائمة في ظل ارتفاع الكلفة على الدولة وعلى المواطنين فالدولة تتكبد سنوياً نحو 2 مليار دولار والكهرباء لا تصل إلا بمعدل 10- 15 ساعة يومياً (باستثناء بيروت التي تتوفر فيها الكهرباء 21 ساعة يومياً).

تعرفة الكهرباء

تعتبر تعرفة الكهرباء المعتمدة في لبنان متدنية فهي اعتمدت في العام 1994 ولم يتم تعديلها منذ ذلك الحين بالرغم من الارتفاع الكبير في أسعار النفط (كان متوسط سعر برميل النفط منها 15 دولاراً وأصبح اليوم نحو 70 دولاراً) وكذلك ارتفاع تكاليف الحياة وسائر الخدمات العامة الأساسية. وهي محددة وفقاً للجدول رقم 1 التالي.

جدول رقم 1: تعرفة الكهرباء وفقاً للشطور ولنوعية المستهلكين.

المصدر: قرار مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان رقم 343، تاريخ 19 تموز 1994.

معامل إنتاج الطاقة الكهربائية

في لبنان 13 معملاً لتوليد الطاقة الكهربائية تصل قدرتها المجهزة إلى نحو 3,016 ميغاوات موزعة:

  • 2,764 ميغاوات معامل حرارية.
  • 252.6 ميغاوات معامل مائية.

أما قدرتها الفعلية فلا تزيد عن 2,000 - 2,200 ميغاوات موزعة وفقاً للجدول رقم 3 التالي.

 

خطوط النقل

خطوط نقل هوائية بطول 1,362 كلم تنقسم إلى 4 أنواع:

  • خطوط نقل التوتر العالي 400 ك.ف بطول 21 كلم.
  • خطوط نقل التوتر العالي 220 ك.ف بطول 484 كلم.
  • خطوط نقل التوتر العالي 150 ك.ف بطول 163 كلم.
  • خطوط نقل التوتر العالي 66 ك.ف بطول 689 كلم.

الكابلات المطمورة بطول 178 كلم وتنقسم إلى 3 أنواع:

  • كابلات نقل التوتر العالي 220 ك.ف بطول 50 كلم.
  • كابلات نقل التوتر العالي 150 ك.ف. بطول 26 كلم
  • كابلات نقل التوتر العالي 66 ك.ف بطول 102 كلم.

محطات التحويل الرئيسية

تملك مؤسسة كهرباء لبنان 129 محطة تحويل رئيسية للطاقة الكهربائية بقدرة 4,734 م.ف.أ موزعة وفقاً للجدول رقم 4 التالي.

جدول رقم 4: محطات تحويل الطاقة الكهربائية في مؤسسة كهرباء لبنان.

المصدر: مؤسسة كهرباء لبنان. 

استئجار بواخر الكهرباء

180-280 مليون دولار سنوياً؟

أزمة الكهرباء مزمنة وتبدو عصية على الحل لأسباب فنية، مالية وسياسية. والناس تشكو انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وربما لأيام وبدأت منذ فترة بالتحرك الميداني وقطع الطرقات للاحتجاج على هذا الأمر والمطالبة بإيجاد حلول ووضع حد لمعاناتهم. وزارة الطاقة والمياه طرحت حلاً مؤقتاً وسريعاً لهذه المشكلة يمكن أن يزيد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي بانتظار إنشاء معامل جديدة وحل المشكلة جذرياً. ويتمثل هذا الحل ببواخر الكهرباء.

الشركات وعروضها

وافق مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 1 تاريخ 29-9-2010 على تشكيل لجنة وزارية لدراسة موضوع استئجار بواخر لإنتاج الطاقة الكهربائية وتم الاتفاق من خلال اجتماعات اللجنة على الجدوى المالية لاستئجار البواخر الكهربائية. وقد أعلنت وزارة الطاقة والمياه من خلال إعلان نشر في الصحف عن رغبتها لتوفير الكهرباء إما من خلال استئجار البواخر أو المولدات، فقامت 60 شركة بسحب الملف لكن 23 منها تقدمت بعروضها ضمن الحملة وتبين أن 17 شركة منها مؤهلة ضمن التصنيف التالي:

  • 7 شركات قدمت عرضاً لتوفير مولدات سريعة الدوران تعمل بواسطة الديزل أويل توضع بالقرب من محطات التحويل المناطقية (حوالي 45 محطة). لكن عروض هذه الشركات رفضت لارتفاع كلفتها ولعدم توفر المساحات اللازمة لهذه المولدات، وعدم إمكانية توزع الطاقة بشكل عادل.
  • 4 شركات قدمت عروضاً بتوفير مولدات ذات سرعة دوران متوسطة توضع داخل معامل الإنتاج، ورفضت أيضاً عروض هذه الشركات لعدم توفر المساحات المطلوبة داخل المعامل وللكلفة المرتفعة للتجهيزات المدنية لتركيب هذه المولدات وربطها على الشبكة.
  • 6 شركات قدمت عروضاً بتوفير مولدات متوسطة السرعة وتوربينات موضوعة على بواخر ترسو على رصيف المعامل ويتم ربطها على الشبكة العائدة للمعمل.

وقد وافقت الوزارة على اعتماد الخيار الأخير بعدما أوجدت له كل التبريرات المقنعة:

  • سهولة الربط دون تعقيدات فنية أو لوجستية.
  • أسعاره منخفضة.
  • خيار سريع في حال توافر الباخرة ولا يحتاج إلى تجهيزات.

وبعد تبني هذا الخيار (أي البواخر) عادت الوزارة تذكر أن هناك خمس شركات من بين الشركات الست لا تعمل في مجال توليد الكهرباء أو لا سفن لديها بل تنتظر الحصول على العقد من أجل شراء السفن وتجهيزها، وخلصت الوزارة إلى أن العرض المقبول هو المقدم من شركة Karadeniz التركية، وأشارت الوزارة إلى ضرورة السرعة في التعاقد مع هذه الشركة، وإذا أمكن تحسين شروط العقد، لأن الشركة تواجه طلباً متزايداً في المنطقة من بلدان تعاني نقصاً في الكهرباء مثل العراق وباكستان وهو ما أدى، وفقاً للوزارة، خلال هذه الفترة إلى تأمين باخرتين من الشركة لهذه البلدان ما أضاع على لبنان مزيداً من الوقت في سرعة توافر هذه البواخر.

واللافت أن الوزارة تعود لتقر أنها اختارت المولدات العاملة والمركبة على البواخر وهو أمر غير منتشر في العالم وهامش المنافسة فيه محدود جداً. وتشير الوزارة إلى أن الحكومات المتعاقبة لم ترصد المبالغ المتوجبة لإنشاء محطات ثابتة.

الكلفة المالية

في موضوع الكلفة المالية في حال التعاقد مع شركة Karadeniz  أوردت وزارة الطاقة والمياه التالي:

  • كلفة الكيلووات ساعة هي 4.8 سنت أميركي من دون كلفة المحروقات (لم يتم تحديد كلفة المحروقات(
  • إن العرض المقدم من الشركة هو الأسرع في التنفيذ وبإمكان الشركة تسليم أول باخرة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الانتهاء من التفاوض والثانية بعد ستة أشهر.
  • تقدر الكلفة بما يتراوح بين 180-280 مليون دولار في السنة مع زيادة التغذية في التيار لـ 2-3 ساعات والكلفة المقدرة تشكل، تبعاً للوزارة، وفراً بمقدار 100-300 مليون دولار سنوياً مقارنة بالكلفة للحصول على كمية الكهرباء ذاتها من خلال المعامل.

اللبنانيون يريدون الكهرباء لأن الظلمة قاسية، ويضغطون للحصول على مطلبهم المحق، ويصبح الحصول على الكهرباء هو المطلب من دون النظر إلى الأعباء والكلفة المالية.

لم يتم حتى الآن إرساء المناقصة بشكل نهائي، وقد دخلت شركة أميركية في المناقصة ليصبح العدد شركتين لكن هناك انتقادات كثيرة ممن يعتبر أن الأسعار مرتفعة ويمكن تركيب مجموعات داخل المعامل بدل استئجار البواخر والموضوع قيد المناقشة إلى يومنا هذا. فلماذا استبعدت الوزارة عروض المولدات قرب المعامل أو داخلها لمصلحة البواخر مع الإقرار بعدم وجود مثل هذه التقنية لتوليد الكهرباء؟

ولماذا استبعدت خمس شركات وأبقت على شركة واحدة؟

وما هي الكلفة الفعلية ومن ضمنها كلفة المحروقات؟

وهل صحيح أن الوفر هو 300 مليون دولار؟ 

خلاصة

إزاء كل ما سبق نتبين أن أسباباً عديدة تكمن وراء مشكلة الكهرباء في لبنان وتتداخل في ما بينها لتزيد من ضخامة المشكلة وصعوبة الحل كما عرضنا أعلاه إضافة إلى:

  • مشاريع إعادة تأهيل وتطوير الكهرباء التي أنفق عليها ما يقرب من 1.8 مليار دولار (دون احتساب كلفة الفائدة)، باتت عاجزة عن تأمين الطاقة المطلوبة لحاجة المستهلكين.
  • العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان والذي يرجع لأسباب عديدة:

- صدور قرارات عن مجلس الوزراء بإعفاء مناطق معينة من الأراضي اللبنانية من فاتورة الكهرباء وذلك لأسباب أمنية واجتماعية.

- عدم جباية الفواتير من مناطق معينة لأسباب سياسية.

- تمنع جهات فاعلة ومؤثرة عن دفع المتوجب عليها.

 -التعرفة المنخفضة الممنوحة للامتيازات.

 -إفادة عدد كبير من الموظفين في إدارات الدولة الذين تربطهم علاقة عمل مع مؤسسة كهرباء لبنان من التعرفة المخفضة خلافاً للقوانين والأنظمة.

 -إفادة موظفي كهرباء لبنان من تعرفة مخفضة ورمزية.

  • عدم وضع عدادات للمشتركين الجدد ما يزيد من استهلاكهم من دون دفعهم أية فواتير لقاء ذلك.
  • عدم الشفافية في إرساء صفقات الفيول لجهة الأسعار والنوعية مما يزيد من كلفة الفيول ويؤدي إلى أعطال في المعامل، وهذا الموضوع يستحق دراسة مفصلة.
  • الاعتداءات الإسرائيلية والتي تسببت بأعطال وأكلاف في محطات التحويل.
  • وباختصار عدم توفّر الإرادة السياسية

وتكفي الإشارة إلى الواقع المرير حول كلفة الدين لتأهيل المعامل والشبكات والتي أصبحت تساوي 32% من دخل كهرباء لبنان بينما يساوي ثمن الفيول 100% منه.

إن واقع الكهرباء في لبنان يشكل حالة دراسة نموذجية عن واقع لبنان سواء في انعدام التخطيط أو سوء التنفيذ أو التسيب الإداري وتفشي المحسوبية. والضرورة أصبحت ملحة جداً لإعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان لتصبح إدارة مربحة قبل الشروع بخصخصتها. ولهذه الأسباب يعم الظلام في لبنان.

في امتيازات توزيع الكهرباء

إبان السيطرة العثمانية على لبنان ثم الانتداب الفرنسي ومن بعده العهود الأولى للاستقلال، منحت السلطات القائمة امتيازات لعدد من الأشخاص لإنشاء وتوزيع الطاقة الكهربائية، بعض هذه الامتيازات لم يقم بالدور المطلوب منه لكنه مازال قائماً حتى اليوم في حين أن بعضها زال أو استردته الحكومة. ومن أهم الامتيازات الحالية:

امتياز كهرباء زحلة

في العام 1910 وبموجب أمر سلطاني جهز عدد من الزحليين مولداً كهربائياً داخل طاحونة في وادي العرايش مستعملين مياه نهر البردوني فأناروا مدينة زحلة، وتمكن القائمون على المشروع (الأب يعقوب رياشي ويوسف البريدي) في العام 1923 من تثبيت الواقع القائم وتشريعه لمدة 70 عاماً بموافقة المفوض السامي الفرنسي ويغان. وأنهت هذه الشركة إنشاء معملها في العام 1928 وأتبعته بآخر في العام 1951 وقد تعاقدت مع كهرباء بيروت لتزويدها بالطاقة.

إلا أن معامل الإنتاج توقفت في العام 1976 وأصبحت تشتري الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان وتوزعها على المشتركين في: زحلة، حوش حالا، كسارة، أبلح، وادي العرايش، المعلقة، علي النهري، رياق، الفرزل الفوقا والتحتا، تعلبايا، سعدنايل، تعنايل، بر الياس، المرج. ويبلغ عدد المشتركين حوالي 30 ألف يستهلكون حوالي 400 مليون كيلووات/ساعة سنوياً. وقد بلغت قيمة الأموال المجباة حوالي 18 مليار ليرة تمثل 97% من المبالغ المتوجبة، وهذه الطاقة الموزعة تشتريها كهرباء زحلة من مؤسسة كهرباء لبنان بسعر 44.5 ليرة للكيلووات وتبيعه بالأسعار المعتمدة لدى كهرباء لبنان. وعمدت كهرباء زحلة في العام 2015 إلى شراء مولدات وتوفير الكهرباء على مدى 24/24 ولكن الفاتورة لم تختلف وعوض أن يدفع المواطن فاتورة واحدة للكهرباء وأخرى للمولدات أصبح يدفع فاتورة واحدة بكلفة أكبر علماً أنّ مدة الامتياز تنتهي في العام 2018.

امتياز كهرباء جبيل

في 13 آذار 1950 صدر المرسوم رقم 1280 بمنح فكتور وفؤاد فرنيني وسمعان وجوزيف باسيل امتيازاً بتوزيع الطاقة الكهربائية وذلك لمدة سبعين عاماً. ويقوم الامتياز منذ العام 1960 بشراء الطاقة الكهربائية من كهرباء لبنان بسعر (حالياً) 63 ليرة للكيلووات ويوزعها على حوالي 16 ألف مشترك في القرى والبلدان التالية: جبيل، قرطبون، الفيدار، مستيتا، عمشيت، بلاط، بيت البومة، إده، نهر إبراهيم، حالات، أسكلة جبيل، دير البنات، غرفين، منصف. يستهلك هذا الامتياز حوالي 120 مليون كيلووات/ساعة سنوياً وقد بلغت قيمة الفواتير المجباة حوالي 12.2 مليار ليرة تمثل 97.2% من المبالغ المتوجبة.

امتياز عاليه – سوق الغرب

في العام 1924 جرى توقيع امتياز عاليه بين حاكم دولة لبنان الكبير الجنرال فندنبرغ من جهة و يوسف عبد النور من جهة أخرى وذلك لمدة 75 سنة (بعد أن كانت أربعين سنة). يشتري الامتياز الكهرباء من كهرباء لبنان بسعر 45 ليرة للكيلووات ويوزعها على حوالي 12 ألف مشترك يستهلكون ما يقرب من 70 مليون كيلووات/ساعة ويتوزعون على القرى التالية: عاليه، بمكين، عين الرمانة، سوق الغرب، قماطية.

وقد انتهت مدة الامتياز واستردته الدولة في العام 2011.

امتياز كهرباء قاديشا

ويشمل المناطق في شمال لبنان وقد أصبح مملوكاً بنسبة 98% من مؤسسة كهرباء لبنان.

امتياز تلفريك جونية

يشتري الطاقة بأسعار مخفضة من مؤسسة كهرباء لبنان لتسيير مشروع تلفريك جونيه - حريصا.

امتياز كهرباء نهر الجوز

منح هذا الامتياز في العام 1951 ولمدة 75 سنة إلى شركة الترابة اللبنانية بهدف تأمين الطاقة الكهربائية لأعمال شركة الترابة.

بالإضافة إلى عدد آخر من الامتيازات تم استردادها منذ بداية السبعينات: حمانا، بيت مري، برمانا، انطلياس، البترون، بحمدون (قيد الاسترداد).

وهكذا نلاحظ أن هذه الامتيازات تحصل على الطاقة الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان وبأسعار تختلف بين امتياز وآخر ولكنها تبعاً لكهرباء لبنان تبقى دون أسعار الكلفة مما رتب ديوناً لها على الامتيازات تقدر بحوالي 50 مليار ليرة حتى اليوم. بينما يؤكد أصحاب هذه الامتيازات أنهم يقومون بجباية 95% -97% من الطاقة المباعة بخلاف مؤسسة كهرباء لبنان كما أنهم لا يستطيعون تحمل أكلاف التشغيل المرتفعة لمؤسسة كهرباء لبنان (103 ليرات للكيلووات) إذ إنهم حالياً لا يحققون أرباحاً نظراً لأسباب عديدة:

  • قدم شبكة التوزيع والهدر الفني الكبير.
  • انخفاض في أعداد المشتركين الذين يستهلكون كميات كبيرة والذين يعتمدون على محطاتهم الخاصة.
  • أكثرية المستهلكين هم من المستهلكين الصغار الذين لا يتعدى استهلاكهم الشهري 300 كيلووات.

 

يتبع

اترك تعليقا